إجازة مرضية

17/06/2015
الصخب الإعلامي الذي لم ينته حول الإجازات المرضية للمعلمين وموظفي القطاع العام، ومساعي النقابيين لتحسين ظروف عملهم، من جهة، ومحاولة الإدارة الحكومية، من جهة أخرى، التخفيف من أعباء وآثار التغيب عن مواقع العمل، وما نشر في الإعلام من حالات صارخة في كلا الاتجاهين، هو أمر مفهوم وطبيعي. وهو لا يتوقف عند الحالات المذكورة، بل يتعداه إلى المؤسسات كافة في القطاعين العام والخاص. إذ يبقى الموظف يسعى الى المزيد من الراحة، بينما تحرص الإدارات وأرباب العمل على زيادة أوقات العمل، باعتبار أن ذلك يؤدي في الأغلب إلى زيادة الإنتاجية.

تفرض القوانين الأردنية، كمثيلاتها في معظم دول العالم، منح إجازات مرضية لمستحقيها من موظفي القطاعين الخاص والعام. ونحن هنا لسنا في وارد الخوض في النقاش المتواصل حول الجدوى الاجتماعية والاقتصادية لهذا الشكل من الإجازات؛ فالأمر هنا مقطوع به -على الأقل في الوقت الحالي- وليس ثمة نقاش حول إجراء تعديلات جوهرية عليه. لكن يبقى النقاش مطلوبا حول التطبيق الأمثل للتشريع، بحيث يحفظ حق العاملين وأسرهم من جهة، وكذلك حقوق أرباب العمل، والمناخ الاستثماري، والمراجعين، والمستفيدين من الخدمات العامة، من جهة أخرى.

في الجانب الطبي المهني، يحار الطبيب أحيانا في تقدير ما إذا كانت الحالة التي هو بصددها تستدعي راحة عن العمل، أم هي حالة من التمارض، خصوصا وهو يعلم أن القيام بتشخيص قاطع لشكوى المريض، من خلال استقراء الاحتمالات المرضية المختلفة، يتطلب جهدا وتكلفة لا يتيحهما النظام الصحي في كثير من الأحيان. ولذلك، فقد يتهاون البعض في أمر الإجازة المرضية باعتباره أخف الأضرار، فتكثر الإجازات لهذا السبب.

وربما تساهل البعض عن عمد في منح الإجازات المرضية. لكن ذلك -من خلال تعاملي مع العديد من المؤسسات والأشخاص- ليس هو السمة الغالبة. فالعام المنتشر أن أكثر المؤسسات والأطباء يحترمون شهادتهم في الحالة المرضية، ولا يمنحون الإجازة إلا إذا كان هناك ما يستدعي ذلك. وربما تساهل البعض فمنحها بغير وجه حق أو بعد فوات وقتها، لكن ما أعرفه أن الجمهور العام في القطاع الطبي يرى في ذلك غضاضة، وأن المتكاسلين والخاملين من العاملين يحتاجون للبحث والسؤال ليجدوا من يعينهم على خمولهم.

نقابة الأطباء سبق أن دعت “كافة الزملاء إلى عدم منح إجازات مرضية للمرضى الأردنيين وغير الأردنيين إلا بسبب واضح، وأن تكون مدة الإجازة تتناسب مع طبيعة المرض الذي أعطيت بناءً عليه الإجازة المرضية، وتوخي الدقة عند منح الإجازات”. لكن الأمر بات يحتاج إلى أكثر من الحث؛ من مثل عقد ورش عمل، ووضع ضوابط وإرشادات تساعد القطاع الطبي على اتخاذ القرار المناسب، وفقا لنص وروح القانون، وأن لا يكون الطبيب تحت وطأة التوجيه الإداري من وزارة أو مؤسسة ما، أو ان يقع تحت ضغط المستفيدين وأهليهم، وذلك عوانا للأطباء والمؤسسات الطبية ولسمعة المهنة، ومنعا للتدخل فيما هو من صميم التخصص الطبي.

من المنظور المهني، فإن معالجة مثل هذه القضايا تحتاج إلى معالجة مؤسسية متوازنة على المستوى الوطني العام، ومن خلال مؤسسات أهلية ورسمية تعمل ضمن تخصصاتها وصلاحياتها القانونية، من دون طغيان جهة على أخرى، إلا ضمن القوانين والحقائق والصالح العام المتعارف عليه.