إصلاح التعليم”.. من هنا نبدأ

في تغطية موسعة حول اصلاح التعليم في الاردن اجرتها مجلة ” Ventur” المحلية، اكدت المقالات والمقابلات على أولوية إصلاح التعليم في مواجهة الظروف والتحديات في المنطقة، متفقة في ذلك مع المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد في الاردن منذ بضعة أسابيع. وشملت التغطية عدة مقابلات وتقارير حول الموضوع المهم والحيوي. وبالرغم من أن الأردن يحتل موقعاً متقدماً في مؤشرات التعليم العربية، إلا ان الحديث عن الإصلاح والتطوير لجودة وكفاءة العملية التعليمية محمود للأهمية الاستثنائية للموضوع بالنسبة للأردن وربما عكس أيضا طموحات في التقدم في السلم العالمي والإسهام بشكل أوسع في مواجهة المشاكل والظروف الإقليمية والمحلية.
ولكن التغطية افتقرت، شأن معظم المعالجات الإعلامية والحوارات المجتمعية، إلى الاستناد بشكل كاف الى دراسات ومعطيات ومؤشرات رقمية تتعلق بصلب الموضوع، بحيث يمكن أن تتأسس عليها المقررات والأحكام، والتي أرسلت أحيانا إرسال المسلمات، ما يوحي أن هناك ندرة في الدراسات ذات الصلة، أو أن الدراسات لا تصل الى الإعلاميين والدارسين ومتخذي القرار، ما يفسح المجال للأحكام المجتزأة وربما ما يشبه الأدلجة في الحكم على النتائج، ويفتح المجال للأحكام والمواقف المسبقة.
الدراسات والمؤشرات لن تحسم النقاش في مجال اصلاح التعليم أو في غيره، ولن تضمن اجماعا –غير مطلوب أصلا- ولكنها يمكن أن ترشِد النقاش وتوفر أرضية مفيدة لتبادل الآراء، وصياغة البرامج وتطوير رؤى وحلول أكثر ملامسة للواقع، وأكثر شمولا للوطن وللمجتمع وطبقاته المتعددة، وبالتالي أكثر نجاعة وقبولا وسلاسة في التطبيق.
تحتاح بعض الأحكام والتفسيرات التي تعرض في سياق التعليم والمعرفة كقوالب جاهزة الى تمحيص واختبار وفق أسس علمية، وأحيانا الى تحديث في ضوء ما يستجد في محيطنا الصغير والكبير من تغيرات دراماتيكية، فحين تعزى مثلا ظاهرة عميقة ومتشعبة وقديمة ولكنها متجددة مثل ضعف الإقبال على القراءة بين العرب عموما الى التابوهات الجنسية والدينية والعلمية!، فهل يمكن أن يقبل هذا الحكم بسهولة في عصر الفضاءات المفتوحة والانترنت؟ حين تدل الأرقام المتوافقة النتائج والمتعددة المصادر على ان نسب الوصول الى الانترنت تزداد في العالم العربي بوتيرة عالية وأن حوالي نصف سكان العالم العربي من مختلف الاعمار يستخدمون الانترنت (ناهيك عن البث التلفزيوني الفضائي)، والنسبة تكون أعلى بكثير بين الفتيان والفتيات حيث تنخفض نسب الأمية، ومن متواترات الحقائق أن المحتوى المتعلق بهذه التابوهات يشكل النسبة الأكبر من محتوى الإنترنت، وتحظى هذه المواد بأعلى نسب مشاهدة في منطقتنا والعالم كما تدل الأرقام المتطابقة التي تصدرها الشركات المتخصصة والمنصات المزودة للمحتوى.
إن العمل على تصنيف وترتيب وتوصيف مشاكل التعليم بحسب حاجات المجتمع ومشاكله، والتطلعات التنموية وحاجات سوق العمل والبحث العلمي تحتاج إلى تطوير في المعالجات والمقاربات لهذا الموضوع، بحيث لا تبدو مؤدلجة أو مبنية على قوالب معدة ومقررات جاهزة، تتناقض فيما بينها في تفسير الظواهر، وطرح الحلول وفقا للخلفيات الثقافية والتجارب الشخصية والمشاهدات المجتزأة، آن الأوان أن يكون البحث في القضايا المجتمعية المهمة مدعوما بقدر أكبر من دراسات الظواهر والمشاكل الحقيقية للمجتمع.
ما يقال عن التعليم يمكن أن يقال عن الصحة والأعمال والفقر والبطالة والثقافة وغيرها من القطاعات الاجتماعية والتنموية، إن تجسير الهوة بين محاضن العلم من جهة وبين صناعة القرار والرأي العام من جهة اخرى لا يقل أهمية عن جسر الهوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل.