إيران.. 40 عاما من الثورة
يناير 18, 2019
تحيي الجمهورية الإيرانية هذه الأيام الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية التي تفجرت أحداثها في العام 1979، حين خرج الملايين من أبناء الشعب الإيراني وقواه المختلفة في ثورة هائلة اطاحت بحكم الشاه، وأقيم على أنقاضها نظام “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” المؤسس على نظرية ولاية الفقيه.
وعلى مدى أربعين عاما، لعبت إيران الثورة دوراً كبيراً في الأحداث العاصفة التي اجتاحت المنطقة والعالم، وحاولت جاهدة أن تنقل الثورة إلى خارج إيران، وحاول خصومها إجهاضها دون كلل، فماذا كان حصاد العقود الأربعة على الثورة والشعب الإيراني ومجمل المنطقة؟ أين تقدمت واين اخفقت بحساب الإنجازات الاستراتيجية؟. يصعب الإيجاز هنا دون إخلال بالموضوعية في الأحكام، ولا يطاوع البيان كثيرا في بسط الفكرة حين يسعى الكثير إلى النبش في المعاني، والبحث عن الكنايات بين العبارات، والتفتيش في النوايا بين السطور، فهي مقاربة تحتاج إلى متابعة وإكمال ونقاش ليست هنا ساحته وميدانه.
كفة إنجازات الثورة وافرة، فنفوذ الثورة وحضورها السياسي والاستراتيجي بات يمتد من الخليج العربي ومدخل المحيط الهندي إلى البحر المتوسط، تمتد خلال هذه الرقعة الحساسة جيوش وميليشات وأحزاب تدور في فلك الثورة الإيرانية تمرست مجتمعة في الصراعات السياسية والعسكرية على طول هذه الجغرافيا، وتعززت بحضور محلي قوي في مجتمعات تلك الجغرافيا. وثبتت أقدامها أيضاً في جنوب الجزيرة العربية وعلى شواطئ البحر الأحمر.
الثورة استطاعت أن تستقطب قطاعا واسعا من أتباع مذاهب الأقلية الشيعية في مختلف بقاع العالم الإسلامي، وبالأخص الحركات الشبابية والإيديولوجية، وتعززت الثورة بواسطة العقد والحليف القوي المتمرس في السياسة والحرب “حزب الله” اللبناني، والذي برز مؤخرا بدور إقليمي واسع فيما بدا تفويضاً من قيادة محور الثورة والدولة الإيرانية لتنسيق وربما قيادة العمل على الساحات العربية.
كفة العثرات والتحديات والمخاطر الاستراتيجية وافرة أيضا في ميزان الثورة، ففي المحيط الإسلامي الحيوي للثورة يستعر أوار صراع مذهبي سني-شيعي جلب على الثورة والدولة الإيرانية والمنطقة خصومات كبيرة وحمّلها أكلافا مرتفعة، والمشهد اليوم يكشف ضعفا غير مسبوق في الجسور التي ترتبط بين أتباع المذهبين الإسلاميين الرئيسيين. وفي المجال الدولي، عادت أميركا-ترامب لفرض عقوبات على إيران وصفتها بـ”الأكثر صرامة وقسوة” ، واضعة المواجهة مع إيران وحلفائها على رأس اهتماماتها الخارجية، وهي الآن تحشد لمؤتمر وارسو في منتصف الشهر القادم والذي “يركز على الوسائل الكفيلة بمواجهة إيران، وتقليص قدراتها العسكرية والمس بمكانتها الإقليمية” بحسب تسريبات إعلامية حول جدول أعمال المؤتمر.
ولكن تظل الأزمات والتحديات الداخلية هي الأخطر على استمرار نظام الثورة، فالأزمة الاقتصادية تتفاقم بعد أن تراجعت الآمال العريضة برفع حقيقي للعقوبات الاقتصادية، يترافق ذلك مع شكاوى متصاعدة في الداخل من تراجع الحريات العامّة وتفشي الفساد ونشوء أجيال جديدة لم تشهد أيام الثورة ولا يبدو أنها تؤمن كثيرا برسالتها، إضافة إلى مشكلة ومظلومية القوميات المتعددة في الجمهورية الإسلامية.
هذه تحديات هائلة رغم المرونة النسبية في النظام الإيراني وتعاقب الرؤساء وتبدل الحكومات والمؤسسات المنتخبة في قيادة الدولة، وكل ذلك يتم رصده من خصوم إيران الذين يعلمون أن هزيمة إيران بمعارك عسكرية خيار باهظ التكلفة، وقل أن يحسم الصراع مع القوى العقائدية، وبالتالي فإن الأسلوب الأنجع لمواجهة إيران هو بانتهاج استراتيجية إرهاق النظام، وحصاره ومراكمة الأزمات الداخلية والغزو الثقافي لتنكفئ الثورة وتتهاوى من داخلها.
اعتادت إيران أن تستفيد من أخطاء خصومها في العالم والمنطقة ومن التغيرات والتناقضات المحتلفة، وهذه التناقضات ما زالت تعطي مجالا واسعا للإيرانيين للمناورة وقطف المزيد من الثمار خارج إيران، فدخول الروس في المنطقة بقوة، والشد والجذب بين تركيا-اردوغان وأميركا، التوجهات الصينية الآخيرة، التغيرات في الباكستان، كل هذه عوامل اعتاد الإيرانيون الذين يمتازون بطول نفسهم أن يوظفوها جيداً.
ميزان الثورة الإيرانية يفيض في كفتيه، فأي الكفتين سترجح؟ ليس ثمة إجابة في المدى المنظور إلا الأماني، ويبدو حتى الآن أنها منازلة بالنقاط وليست بالضربة القاضية.