الإحصاء قليل الحظ

23/04/2015
هو علم، وأدوات حيوية بالغة الأهمية في البحث العلمي والتخطيط، كما في دراسات الجودة وصناعة القرار واستطلاعات الرأي، وغير ذلك. وربما هذا ما يفسر إهمال هذا العلم في العالم الثالث، وقلة تأثيره في الإدارات الرسمية والقطاع الخاص، وكذلك غياب مفاهيمه وأفكاره في الثقافة العامة، بحيث يمكن أن نقول بلا تجن: إن هذا العلم قليل الحظ في العالم الثالث.

ينتعش علم الإحصاء بوجود ممارسات إدارية في التخطيط والمراجعة والقياس، وكذلك في الإنتاج الصناعي، والتطوير ودراسات الجودة. كما يتقدم الكثير من جوانبه بتقدم الممارسات والفكر الديمقراطيين، وتنحسر بانحسارهما. فالإحصاء راسخ القدم في الدول المتقدمة، قليل الحظ في الدول غير المتقدمة. بل إن الدول المتقدمة هي الرافعة لتطبيق هذا العلم في الدول غير المتقدمة في بعض الجوانب، وربما فرضته على بعض الأنحاء فرضا.

في مؤسسات كثيرة، تجد قسما بائسا ينتج ذات الجداول والأرقام، وبعض الرسومات البيانية، وعلى فترات متباعدة، يسمى “قسم الإحصاء”. وقد لا تجد من يلتفت لهذه المجاميع والكليات إلا في مناسبات عارضة، ربما لا تلبث أن تمضي تحت ضغط الاهتمام بالحدث الواحد والظرف الراهن؛ فينسى الماضي ويغفل المستقبل، ولا يجد الإحصاء لنماذجه مساحة من الزمن ليعمل عليها، فيركن جانبا.

إن وجود ثقافة إحصائية وقدرة على فهم الأرقام، واستخدام الأدوات غير المعقدة في دراسة الأرقام، وإجراء العمليات الأساسية عليها، وفهم المؤشرات الرقمية العالمية ذات الصلة، كل ذلك ينبغي أن يكون مطلبا أساسيا لكل من يكون في موقع الإدارة واتخاذ القرار، لأن هذا من شأنه أن يعزز الأداء المستند إلى الرقم، وينشئ الاقتصاد المعلوماتي والمعرفي الذي لم يعد نافلة في عالمنا اليوم.

ففي عصر ثورة المعلومات والوفرة الهائلة في البيانات، بدأت المعاهد والمراكز البحثية تتحدث عن “خبراء البيانات”. ويقال بأن هناك طلبا عالميا متزايدا على هذا التخصص. وتشتكي الشركات الكبرى من عدم القدرة على الحصول على ما تحتاجه من هؤلاء. وهم يستخدمون مصطلح “علماء البيانات”، لكن ليس الأمر بالتعقيد الذي قد يوحي به المصطلح عندنا. فهو، ببساطة، مجموع المهارات الإحصائية الحديثة، ومعرفة جيدة بالحاسوب. وإذا أضيف إليها معرفة في ميدان من ميادين النشاط الإنساني؛ كالطب أو التأمين أو المالية أو اللغويات أو غيرها، فإنه يكتمل عندها عقد الشخص. والمفروض أن تشكل هذه الحاجة العالمية حافزا لشبابنا الباحث عن الفرص المناسبة، والمتحفز لمواقع متقدمة، لكي يمتلك هذه المعرفة ويكتسب تلك المهارات. وقد اعتدنا أن تسعفنا المبادرات الفردية حين تخذلنا المؤسسات.

بعض الباحثين الإحصائيين العرب يقولون إن من تكريم الله لعلم الإحصاء أن سمى ذاته بـ”المحصي”. وأنا أنقل هذا الاستخدام على عهدة هؤلاء، ولعلماء التوحيد قبول ذلك أو رده.