“التغطية الصحية الشاملة”.. المنطلقات والعوائق

29/07/2015
عند الحديث عن التغطية الصحية الشاملة، لا بد من النظر إليها من خلال ثلاثة أبعاد رئيسة: التوسع في الفئات المشمولة بالتغطية؛ وتضمين خدمات صحية جديدة ذات جودة عالية؛ وتحقيق مستوى معقول من الحماية المادية للمواطنين، تمكنهم من الحصول على هذه الخدمات من دون تعرضهم لخطر الإفلاس، أو الإحجام عن طلب الخدمة لضيق الحال، وتدني القدرة المادية. هذه المحددات تشكل ما يسمى “صندوق السياسات”.

من الواضح أنه لا يمكن لدولة، مهما كانت غنية، تحقيق العلامة الكاملة في جميع الأبعاد، بحيث تضمن تغطية الخدمات كافة لجميع المواطنين، من دون تحميلهم عبئا مادياً. كما أن محاولة التقدم في بعد واحد فقط، محكومة بالفشل؛ فما الفائدة من أن تعد المواطنين بتغطية صحية شاملة ومجانية، لكن في المقابل يصدمهم الواقع بخدمة صحية ذات جودة سيئة، أو أن توفر لهم أحدث ما توصل إليه الطب من خدمات، مقابل بدل مادي لا قبل لهم به؟!

ولتحقيق التغطية الصحية الشاملة، لا بد من توفر عوامل رئيسة في النظام الصحي، بحيث تضمن عدالة توزيع الخدمات، وردم الهوة بين أنواع الرعاية التي يتلقاها المواطنون بناءً على وضعهم الاقتصادي أو الوظيفي أو مكانهم الجغرافي. كما يجب أن تمتاز هذه الرعاية بالمقدرة على الاستدامة من خلال توفر موارد مالية ثابتة. ولن يتحقق هذا الشرط إلا باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحسين كفاءة النظام الصحي، والاستفادة القصوى من الموارد المتاحة، والحد من الهدر الذي تقدر بعض الدراسات المتحفظة أنه يبتلع ما يقارب 40 % من الموارد الصحية.

لقد أظهرت تجارب العديد من الدول، مثل تايلند وتشيلي والمكسيك ورواندا، أن تحقيق التغطية الشاملة لا يقتصر على الدول الغنية فحسب، وإنما يمكن تطبيقه في الدول متوسطة أو حتى محدودة الدخل، إذا ما تم التخطيط له بصورة علمية وشفافة، وبإشراك الجهات كافة ذات العلاقة.

حقيقةً، لا توجد وصفة سحرية واحدة يمكنها معالجة التشوهات في القطاع الصحي في جميع البلدان؛ فكل بلد محكوم بظروفه وإمكاناته ومعيقاته. لكن تجربة كتجربة تايلند تستحق التوقف عندها.

ففي حملته الانتخابية العام 2001، وعد رئيس الوزراء تاكسين شيناواترا مواطنيه بتحقيق تغطية صحية شاملة خلال عشرة أعوام. وكان هذا الوعد جوهر حملته الانتخابية التي ربح الانتخابات على أساسه. في ذلك الوقت، كان 30 % من التايلانديين لا يتمتعون بأي تغطية صحية، وخلال أقل من عشر سنوات تم تحقيق الوعد بصورة شبه كاملة، وحققت تايلند أكبر انخفاض في وفيات الأطفال، كما تم خفض الرسوم الصحية المباشرة التي تدفعها الأسرة من 35 %، لتصل إلى أقل من 10 %.

من المؤسف أنه في بلد كالأردن، يصنف ضمن الدول مرتفعة الانفاق على الشؤون الصحية، ما يزال حلم تحقيق التغطية الصحية الشاملة لم يراوح مكانه منذ سنوات. وهذا ناتج عن خلل في بنية النظام الصحي؛ من حيث التباين الواضح في جودة الخدمة الصحية المقدمة بين القطاعات الصحية المختلفة، وازدواجية التأمين، وارتفاع نسبة الفاقد، وهجرة الكفاءات، وتحوصل القطاعات الطبية المختلفة على نفسها ودخولها في منافسة سلبية، أدت إلى زيادة الهدر وعدم الاستفادة من نقاط القوة لديها.

لن تتحقق التغطية الشاملة ما لم تدرس هذه العوائق وغيرها بطريقة علمية، بعيدة عن المجاملات والحسابات الضيقة، وأسلوب الترضيات، والتي قادتنا إلى الفوضى التي نعانيها اليوم .