الحكومة الإلكترونية.. تأخر أم تعثر؟
22/07/2015
الحكومة الإلكترونية لم تف بعد بوعودها، وما تم إنجازه في هذا المجال محدود مقارنة بالطموحات. هذه حقيقة باتت موضع اتفاق، يلمسها المواطن العادي أيضا، الذي أصبح أكثر اتصالا بالإنترنت والعالم، وبالتالي فإن سقف توقعاته قد ارتفع. ورغم أن الوعي بوعود الحكومة الإلكترونية، والانتباه لإمكاناتها، لم يتأخرا في الأردن عن مثيله في العالم المتقدم، إلا أن التنفيذ تعثر وتأخر.
في التقرير المسحي الذي قامت به الأمم المتحدة في العام 2014، وُضع الأردن في المرتبة 79 في مستوى خدمات الحكومة الإلكترونية، في حين أن دول مجلس التعاون الخليجي كافة حققت موقعا أفضل من المرتبة الخمسين. فما هي الأسباب التي أدت الى هذا التأخر والتأخير، في بلد تتوفر فيه قدرات بشرية جيدة في تقنية المعلومات والإدارة، وتوسع في التعليم الجامعي، إذ نُشرت مؤخرا إحصاءات ملفتة لحصة الأردن من صناعة المحتوى الرقمي؟ هل العامل المادي وحده وراء هذا التأخير، أم أن هناك عوامل أخرى ساهمت في تأخير وعود الحكومة الإلكترونية بتسهيل وتسريع الإجراءات الحكومية المختلفة، وتقليل التكلفة، وتحسين كفاءة النظام الإداري، وتوفير المعلومات بشكل أسرع وأكثر دقة؟
أرى أن من بين الأسباب المحورية التي يجب الاهتمام بها، مدى استعداد الوزارات والإدارات الحكومية للمشاركة مع مثيلاتها في عملياتها وبياناتها ومشاريعها. فمشروع الحكومة الإلكتروني عابر للإدارات والمؤسسات، ويتطلب ربط البيانات وتكامل الإجراءات وتنسيقها بين الجهات المختلفة. إذ إن السجلات الأساسية يجب أن تكون مشتركة بين عمليات الحكومة الإلكترونية كافة، مثل السجل السكاني وسجل الشركات والسجلات الجغرافية والمكانية. لكن الإدارات الحكومية تتلكأ أحيانا في المشاركة مع مثيلاتها في بياناتها وإجراءاتها، وكثيرا ما تقف البيروقراطية الإدارية وعدم حماس الكادر الإداري في وجه أي مبادرات تدعم مشروع الحكومة الإلكترونية.
يمكن تغيير أو تعديل التعليمات في حال لم تساعد في تطوير الخدمات. وحتى القوانين لا يصعب تطويرها. وربما يكون قد تم ذلك بالفعل؛ كله أو جله. لكن ما يصعب تغييره هو رغبة وحماس الجهاز الإداري للمشاركة في البيانات مع الآخرين، إذ إن المعلومات قوة. وربما كان ذلك دافع البعض في عدم الحماس للمشاركة والربط مع الجهات الأخرى. كما أن طبائعنا لا تميل في الأغلب إلى المشاركة، فلدينا ثقافة وطبائع فردية لا تستسيغان كثيرا المشاركة والتعاون؛ يلمح ذلك من تواصل مع المؤسسات الرسمية والخاصة، وكذلك الإدارات والفرق والمجموعات، لغايات التكامل والأعمال المشتركة.
ثمة ملاحظة أخرى، وهي أن شركات تقنية المعلومات المحلية تتردد أحيانا في العمل في المشاريع الحكومية الكبرى، فهي تعاني مما يعاني منه القطاع الطبي، من هجرة الأدمغة، وقصر متوسط فترة استمرار الموظف في مؤسسته، فيقدرها البعض بالسنة إلى سنتين في المتوسط. هذه النسبة إذا كانت دقيقة، من الطبيعي أن تؤدي إلى احجام الشركات عن المشاريع طويلة الأمد. وهذه هي حال المشاريع الحكومية، إذ يتسبب تغيير فريق العمل باستنزاف الموارد وتأخير الإنجاز، لتقع الشركات عندها في المخالفات التي تترتب عليها خسائر مادية وغرامات. كما أن الانطباع السائد هو أن المؤسسات الحكومية يصعب إرضاؤها، وتتعسف في استخدام نفوذها في وجه القطاع الخاص، الذي يجد أن العمل خارج الأردن أقل مخاطرة وأحسن عوائدا، فيذهب وراء الأسواق الغنية، ويزهد بالعمل مع الحكومة. ولذلك رأينا بعض المشاريع الكبيرة يعاد طرحها مرات عدة، لقلة عدد المتنافسين.
هناك وعود رسمية بالانتباه إلى تطوير الحكومة الإلكترونية في القريب. وربما يتم التعامل مع هذه العقبات وغيرها مما لمسته إدارات الحكومة الإلكترونية بشكل جدي. كما أن نضوج خدمات الحكومة الإلكترونية في دول الخليج ودول العالم المتقدم، سيساعد في الاستفادة من أفضل الممارسات وأنجح التجارب.