العودة إلى الخلية

24/06/2017
في البدء كانت الخلية، تلك التي تمردت على قوانين مجتمعها، فانقسمت وتكاثرت وارتحلت ودمرت من غير وازع ولا رادع، فشغلت العلم والعالم على مر العصور، تمت الاستعانة بترسانة من الأسلحة الفتاكة من الخارج، تم تحقيق بعض النجاحات، وكان الفشل المحقق في حالات أخرى، تلك باختصار قصة الخلية السرطانية.

لكن اتجاها جديدا في علم الأورام بدأ يشق طريقه مؤخرا مطالبا بالعودة الى الاساسيات والى الخلية تحديدا من خلال اعادة تأهيلها لتقوم بدورها في كبح جماح اخواتها المتمردات كونها الأكثر معرفة بطبيعة المعركة.

تقوم فكرة العلاج الخلوى او المناعي والذي ينتمي الى اتجاه جديد في الطب يطلق عليه الطب الشخصي “personalized medicine” على فصل نوع خاص من خلايا الدم البيضاء لدى المريض وبالتحديد تلك المسؤولة عن التعرف على الغزاة، وإعادة صياغتها هندسيا في المختبر لتقوم بالتعرف على الخلايا السرطانية والقضاء عليها بعد اعادة ضخها في جسم المريض لمساعدته في الدفاع عن نفسه بقدراته الذاتية، وتعرف هذه الطريقة علميا بـCAR-T.

النتائج الأولية التي رشحت من التجارب السريرية لهذه الطريقة الوليدة كانت مبشرة جدا في علاج عدد من أورام الدم المختلفة والتي لم تستجب لطرق العلاج التقليدية، وتم رصد العديد من حالات الشفاء التام، ما عزز القناعة لدى الباحثين بأن تقوم مؤسسة الغذاء والدواء الاميركية بتسريع عملية اعتمادها للاستخدام السريري.

لكن يقتضي التنويه هنا ان هذه الطريقة ليست بلا مشاكل او منغصات، فقد تم تسجيل بعض حالات الوفاة الناجمة عن مضاعفات العلاج، وهو ما هوى باسعار اسهم بعض الشركات التي تعمل على تطويره، كما أن الكلفة الباهظة لهذا العلاج ستشكل عائقا كبيرا أمام استخدامه بصورة واسعة، حيث يتوقع ان يكلف علاج المريض الواحد حوالي 300 الف دولار أميركي، وهو ما سيساهم في زيادة الفجوة في الحق بالعلاج بين الأغنياء والفقراء، كما أن التكنولوجيا المصنعة له ما تزال بطيئة ومعقدة وتستهلك وقتا طويلا وجهدا مضنيا، ناهيك عن بعض الصعوبات اللوجستية المتمثلة في كيفية حفظ هذه الخلايا لفترات طويلة ونقلها لأماكن بعيدة في الوقت المناسب دون ان تتلف أو تفقد بعض خواصها.

شرق العالم وغربه يحاول البحث عن سلاح فعال للقضاء على السرطان، فهل يكون الحل تحت أعيننا وبين ثنايانا بينما نحن نبحر بعيدا، وهل تكون الخلية هي النهاية كما كانت هي البداية بحيث يصدق فينا قول أبي نواس “وداوني بالتي كانت هي الداء”. السنوات القليلة القادمة ستكون كفيلة بالإجابة عن هذه التساؤلات. دعونا ننتظر.