“المناهج”: سبب الداء أم كبش الفداء؟
08/07/2015
طالعتنا في الفترة الأخيرة، العديد من وسائل الإعلام، بمقالات وأشباه أبحاث حاولت تشريح مناهجنا التعليمية، لاستخلاص نتيجة معدة سلفا: إن هذه المناهج تقف وراء لوثة التطرف التي تجتاح بعض شبابنا. بل وذهب بعضها إلى إطلاق صفة “التدعيش” على هذه المناهج، مطالبا بثورة بيضاء تنسفها، وتعيد بناءها لتتماشى مع روح العصر، وقبول الآخر… إلى غير هذه “الكليشيهات” التي أصبحت مستهلكة، وفقدت قيمتها الحقيقية من كثرة ما وُظفت سياسيا.المناهج عبارة عن جهد بشري يحتمل الصواب والخطأ، وهي ليست بمادة مقدسة. وبطبيعة الحال، يجب أن تخضع للتطوير والتنقيح من قبل الخبراء في المجالات المختلفة. لكن المشكلة هنا هي اجتزاء بعض الأفكار أو النصوص من هذه المناهج، وعرضها خارج سياقها الطبيعي، للتدليل على فكرة أن بذرة العنف والتطرف تكمن في جوهر الدين الإسلامي، أو في بعض نصوصه. فتطوير المناهج عملية مستمرة وليست موسمية، وتحكمها أسس علمية وتربوية، بحيث تكون منزهة عن المصالح الضيقة، ومنسجمة مع عقيدة الأمة ومثلها العليا، وفي الوقت نفسه مواكبة للثورة المعرفية.
لقد رأى البعض في التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة فرصة سانحة لتصفية حسابات أيديولوجية وحزبية ضيقة مع الخصوم، فاستل سكاكينه إعمالا في جسد الجمل البارك، منتشيا بسكرة انتصار، متوهما متناسيا أن الطاعون عندما ينتشر فإنه يعم ولا يخص.المشكلة في المناهج يا سادة ليس في إنتاج جيل متطرف، وإنما في إنتاج جيل شبه أمي. فلو كانت المناهج مؤثرة، لما عجز معظم المتقدمين لامتحان الكفاءة في مادة التربية الإسلامية عن معرفة الفرق بين السور المكية والسور المدنية، ولما تخرج طلبة الثانوية وهم لا يحفظون جداول الضرب، ولا يفرقون بين الجمل الاسمية والجمل الفعلية. المشكلة في المناهج ليس في نص أخرج عن سياقه، ولا في صورة لامرأة محجبة استفزت شخصا ما، وإنما في كونها تسهم في إنتاج جيل تائه بلا هوية.أسباب التطرف كثيرة ومعروفة للجميع: منها ما هو سياسي، واجتماعي، واقتصادي، وفكري. لكننا نصر على أن “نغمس خارج الصحن”. فلو كانت المناهج هي حقا أساس البلاء، لما وجدنا غالبية المتطرفين يأتون إما من الغرب أو من دول عربية اعتنقت العلمانية وحاربت التدين في مناهجها وإعلامها عقودا طويلة؛ ولما وجدنا الحرب الطائفية الأشرس في تاريخ المنطقة تحدث في أكثر البلدان العربية انفتاحا وعلمانية، وبين أطراف لم تعرف الدين إلا يافطة تحتمي خلفها في النهار وتلعنها سوية في الليل.
أخشى إن استمر بعض غلاة العلمانية في شططهم وهجومهم الممنهج على الدين، أن يجد أحدنا نفسه بين تطرفين يفرقهما الشكل ويوحدهما المضمون.