بل هي سارية ومعدية

22/04/2017
التقى قبل أيام جمع من المختصين بالصحة وهمومها على هامش إطلاق تحالف لمؤسسات المجتمع المدني يعنى بالتصدي لعبء ما يسمى “بالأمراض غير السارية” أو غير المعدية.

فعبء هذه الأمراض أصبح لا يخفى على أحد فهي مسؤولة عن حوالي 70 % من الوفيات عالميا ومحليا، فأمراض القلب والشرايين تتسبب بوفاة حوالي 18 مليون شخص سنوياً، فيما السرطان مسؤول عن أكثر من 8 ملايين وفاة وأمراض الجهاز التنفسي عن 4 ملايين والسكري عن حوالي مليون ونصف وفاة على مستوى العالم.

لقد أسهب المتحدثون في الحديث عن المسببات الرئيسية لهذه الأمراض، خاصة تلك التي تعتبر عاملا مشتركاً بينها مثل التدخين، والبدانة، والخمول البدني وتعاطي الكحول وعززوا كلامهم بالارقام والنسب ومقارنتها بمثيلاتها في دول العالم الأخرى حيث يحتل الاردن مراكز متقدمة في معظمها سواء في انتشار أمراض الضغط والسكري أو البدانة. وبلغ المشهد ذروته بإيراد أحد المتحدثين أن الأردن يحتل مرتبة متدنية في ترتيب النشاط البدني جنبا إلى جنب مع السودان الشقيق، وعندها وجدتني تلقائيا أمد يدي خلسة إلى هاتفي المحمول لأراجع سجل نشاطي البدني خلال الأيام الماضية لأجدها ولا فخر تؤيد ما ذهب إليه المتحدث.

قد تكون هذه الأمراض غير معدية بالمعنى الحرفي للكلمة، أي أنها لا تنتقل من خلال ميكروبات أو فيروسات، لكنها بالتأكيد معدية من خلال نواقل اجتماعية، فالسلوك الاجتماعي معدٍ ولا أدلَّ على ذلك من انتقال العادات السيئة كالأرجيلة والوجبات السريعة وغيرها من العادات الضارة خلال فترة وجيزة في مجتمعات لم تعرفها من قبل، حيث أصبحت وباء عاماً فأدمغتنا مبرمجة للتواصل مع الآخرين لذلك نعمد بصورة لا واعية على تقليدهم لإشباع الشعور لدينا بالانتماء للمجموعة، وهو أمر وعته مبكرا شركات الإعلان فركزت على البعد الاجتماعي لهذه المنتجات.

انقضى الاجتماع وبعضنا يتحسس “كرشه” وآخرون يداعبون علب سجائرهم يتعجلون الخروج لإشعال سيجارة لينفثوا من خلالها عبء المعلومات التي سمعوها، وآخرون يطلبون من سائقيهم أن يحركوا سياراتهم أقرب ما تكون من بوابة الخروج، وقد يتوقف البعض لدى أقرب مطعم وجبات سريعة ليتناول وجبته على عجل عله يلحق باجتماع آخر يحاضر فيه عن تغيير نمط الحياة ليصبح أكثر صحة.

نعم هي أمراض سارية، لأن الساري يتسلل بليل ليفاجئ فريسته، ولن نستطيع الحد منها إلا بخلق وعي جمعي بخطورتها وضرورة الحد منها بعيدا عن ترف المؤتمرات وورشات العمل خلف الأبواب المغلقة وبدون ذلك ستبقى هذه الامراض “سارية و تتمدد”.