ترامب و”العاصفة المثالية”
لا أعتقد أنه كان سيخطر على بال أبراهام لنكولن، أو ثيودور روزفلت، أو حتى رونالد ريغان، أن من سيحل محلهم لتمثيل الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية، هو شخصية كدونالد ترامب. فالحزب المحافظ عُرف باختيار مرشحيه بعناية من قبل نخب الحزب، ليعبروا عن أيديولوجية الحزب المتمثّلة في حكومة مركزية محدودة، ودور أكبر للمحليات، كما ينادي بالمسؤولية الشخصية، وحد أدنى من الرقابة على اقتصاد رأس المال. فلا يترك الحزب الجمهوري مجالا للمفاجآت في اختيار مرشحيه، بعكس الديمقراطيين المعروفين باختياراتهم العاطفية والمفاجئة في كثير من الأحيان، عملا بمقولة “democrats like to fall in love, while republicans fall in line”.
فما الذي حدث هذه المرة، ليقرر الناخبون الجمهوريون الخروج عن هذه القاعدة، واختيار مرشح تتراوح مواقفه السابقة في معظم القضايا بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، وأحيانا حتى في القضية الواحدة؛ رغم كل محاولات قادة وحكماء الحزب الحيلولة دون فوزه بالترشح؟
اجتمعت عدة عوامل للمرشح ترامب، لم تجتمع لمرشح بمواصفاته في السابق، وشكلت ما عُرف إعلاميا بـ”العاصفة المثالية” (Perfect Storm) .
أول هذه العوامل، كان القلق الحقيقي عند كثير من الأميركيين البيض، والذين يشكلون جل ناخبي الحزب الجمهوري، من تضاؤل حجم تأثيرهم وتآكل أغلبيتهم، حتى إن التوقعات تشير إلى أنهم سيصبحون أقلية ضمن أقليات تشكل الدولة الاتحادية في غضون سنوات. فجاء خطاب ترامب العنصري ليلامس هوىً في نفوس هؤلاء.
كما صب عدم قناعة أعضاء الحزب الجمهوري في المرشحين الذين طرحتهم قيادتهم في السنوات الأخيرة، ابتداء بجورج بوش الأب إلى روبرت دول، ثم بوش الابن، ونهاية بجون مكين وميت رومني اللذين خسرا أمام الرئيس باراك أوباما، في مصلحة ترامب. ولم يقتصر سخط الجمهوريين على اختيارات المرشحين، بل تعداه إلى سياسات حزبهم، والتي رأوها فاشلة في مواضيع مفصلية، كالهجرة والضرائب. ولم يغفروا فشل هذه السياسات في تعطيل مشروع أوباما للتأمين الصحي.
لقد نجح ترامب في إقناع ناخبيه بأنه سيكون قادراً على اتخاذ القرارات بعقلية المدير التنفيذي (CEO)، وليس على طريقة السياسيين التقليديين الذين يراعون موازين القوى، ويؤمنون بفن الممكن. وساعده في ذلك خلفيته كرجل أعمال، بالغت حملته في تسويق حجم النجاح الذي حققه في إدارة شركاته.
لقد التقط ترامب حالة الاستياء لدى شريحة كبيرة من الأميركيين من اتفاقات التجارة الحرة التي رأوا فيها إجحافا بحقهم لصالح دول أخرى كالصين والمكسيك وكوريا الجنوبية، والتي أدت الى فقدان الأميركيين الكثير من فرص العمل، وإغلاق آلاف المصانع، وانتقال الشركات إلى دول أخرى، فكان الهجوم على هذه الاتفاقات جزءا رئيسا في خطاب ترامب الاقتصادي، واعدا جمهوره بإعادة النظر فيها حال وصوله إلى البيت الأبيض.
لم يستطع كثير من المصوتين لترامب أن يهضموا وصول شخص كأوباما، بلونه واسمه، إلى موقع الرئاسة، واعتبروا وجوده في البيت الأبيض استفزازا لهم؛ فسعى ترامب للهجوم عليه كلما سنحت له الفرصة، وتعهد بإلغاء كل قراراته، والتخلص من إرثه في أول يوم له في البيت الأبيض. ورغم عدم واقعية هذا الوعد، إلا أنه أرضى غرائز هذه الشريحة من الناخبين.
في المجمل، استشعر ترامب حالة السخط لدى الناخبين الجمهوريين من اختيارات قياداتهم، ورغبتهم في إيصال رسالة غاضبة لهذه القيادات، وكذلك رغبتهم في تجريب نمط جديد من القيادة، فضرب على كل الأوتار الحساسة لديهم، وقدم نفسه للعب دور المخلص، ما أدى إلى هذه النتيجة.
والسؤال المطروح الآن: هل سيتمكن ترامب من إقناع نسبة كافية من المستقلين الذين يشكلون العامل الحاسم في ترجيح الفائز في الانتخابات الرئاسية، كما أقنع ناخبي حزبه؟ وهل ستنتقل حالة السخط إلى الديمقراطيين الذين يعانون أزمة ثقة في مرشحة حزبهم، هيلاري كلينتون، بما يدفعهم لأن يمضوا يوم الانتخابات في بيوتهم يرقبون من خلال محطات التلفزة تنصيب ترامب رئيسا، أم أنهم “سيغلقون أنوفهم” ويصوتون لها كأخف الضررين؟