ترامب يغير قواعد اللعبة
11/12/2016
لم يكن ليخطر ببال الذين حضروا حفل إشهار الترشح، بمن فيهم المرشح نفسه، أنه سيكون المرشح الوحيد للحزب الجمهوري بعد عشرة أشهر، وعلى مرمى حجر من البيت الأبيض.
ففي حزيران (يونيو) 2015، وقف دونالد ترامب في صالة برجه الأشهر في نيويورك “Trump Tower”، يعلن ترشحه لتمثيل الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية المقبلة. لكن كثيرين لم يأخذوا إعلانه للترشح على محمل الجد؛ فرجل الإنشاءات والعقارات الشهير لم يعرف بميوله السياسية، ولم يترشح لمنصب سياسي في حياته، إنما عرف ببناء الأبراج، وامتلاك الكازينوهات، وإدارة مسابقات ملكات الجمال، وأخيرا اشتهر ببرنامجه ذائع الصيت “The Apprentice”.
منذ ذلك اليوم، بدأت حملة انتخابية غير تقليدية، وغير مسبوقة. ففي الوقت الذي بدأ منافسوه استعداداتهم الانتخابية مبكرا؛ وذلك بتحضير جداول الناخبين، وحجز خبراء الانتخابات وأساطين العلاقات العامة، والأهم من ذلك أسماء الأثرياء من المانحين المحتملين، وجداول للمتحمسين من صغار المتبرعين، لم يلتفت ترامب لكل هذا، وقرر أن يمول حملته ذاتيا من ثروته الطائلة، وحتى هذه لم يكن في وارده أن ينفق منها الكثير.
فأموال الحملات الانتخابية عادة ما تذهب للدعاية الانتخابية، من خلال دقائق قليلة في المحطات الكبرى أو المحلية، أو مساحات صغيرة في الصحف تكلف الملايين، أو لافتات على جوانب الطرق تجعل اسم المرشح مألوفا. وعادة ما تحسب فرص المرشح بالنجاح بمقدار ما يحتويه حسابه الانتخابي من سيولة؛ فإذا ما نفد الحساب، خرج المرشح بالعبارة الشهيرة: “قررت تعليق حملتي الانتخابية”.
أما دونالد ترامب، فقد كانت له خطة مختلفة تماما؛ وذلك باستغلال الإعلام في الدعاية له بالمجان. إذ يعمد إلى إطلاق تصريحات مستفزة، وغالبا ما تكون صادمة، عبر حسابه على “تويتر” ومن خلال لقاءات صحفية أو متلفزة، أو من خلال مهرجاناته الانتخابية، فتسارع المحطات الإعلامية لتناقلها والحديث عنها، ومناقشتها مع الخبراء، ليجد بقية المرشحين المتعطشين لأي ظهور إعلامي أنفسهم منغمسين في التعليق على هذه التصريحات، بدلا من الحديث عن مشاريع أنفقوا عليها وقتا ومالا لعرضها على الجمهور الذي تستهويه العبارات الصادمة، أكثر من البرامج النظرية المكرورة والمملة، وليذهب ترامب بعدها إلى أحد منتجعاته أو أبراجه تاركا الساحة لكل من يريد أن يدلي بدلوه، ولسان حاله يقول:
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصموا
فعلى مدار عشرة أشهر، كان ترامب يدلي بتصريحاته المسيئة التي طالت مجموعات عرقية كالمكسيكيين، الذين وصفهم بالإجرام والاغتصاب؛ ومجموعات دينية كالمسلمين، متهما إياهم بالإرهاب، وداعيا إلى منعهم من دخول البلاد؛ وتصريحات تسيء للنساء. وحتى بعض الأشخاص الذين يعتبرون أبطالا في أدبيات حزبه، مثل جورج بوش وجون مكين، لم يسلموا من لسانه السليط.
واستمر الإعلام بهوسه بتتبع كل ما يصدر عن ترامب من تصريحات ومواقف. واستمر تساقط مرشحي الحزب الجمهوري واحدا تلو الآخر، ليخلو له الميدان في النهاية مرشحا وحيدا للحزب، يعد العدة لمعركته الأخيرة أمام مرشحة الديمقراطيين المُحتملة، هيلاري كلينتون.
قد يستمر ترامب في السياسة نفسها، أو يغيرها في الشوط الأخير من السباق الرئاسي. وقد تصل به سياسته هذه إلى المكتب البيضاوي، أو تقف به عند هذا الحد، كما وقف مرشحو حزبه في آخر دورتين انتخابيتين. لكن طريقته في التعامل مع الإعلام، والتي كانت أحد الأسباب في وصوله إلى تمثيل الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية، ستبقى علامة فارقة في تاريخ الانتخابات الأميركية، وسيذكرها السياسيون والإعلاميون لأجيال قادمة، وقد تدرس في كليات الإعلام والسياسة.