تغطية صحية شاملة.. ولكن
يناير 25, 2019
عاد إلى الواجهة مؤخرا النقاش حول التغطية الصحية الشاملة وذلك من خلال ورشة العمل التي نظمتها الحكومة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية وكان لافتا فيها حضور رئيس الحكومة في مؤشر واضح الى مستوى الاهتمام الذي توليه الدولة بهذا الملف المهم والمعقد والذي يختلط فيه السياسي بالاقتصادي والاجتماعي والصحي، وهذا ليس غريبا فلقد كان السياسيون دوما هم الأكثر حماسة لهذه المشاريع من التقنيين فهذا الرئيس الاندونيسي جوكو ويدودو يقطف ثمرة اصراره على تطبيق الرعاية الصحية الشاملة لينتقل من محافظ لاحدى المدن إلى حاكم لجاكرتا ثم رئيسا للبلاد.
فالسعي إلى تطبيق تغطية صحية شاملة عملية مكلفة ومعقدة وتثير حساسيات سياسية لأن هنالك دوما متضررين من الفئات الأكثر حظا والتي ستخسر بعض الامتيازات التي تتمتع بها لصالح الفئات الاقل حظا والأشد فقرا فلب هذا النوع من الرعاية ان يحمل الغني الفقير والسليم المريض كما أن تمويل هذه الرعاية غالبا ما يتأتى من الضرائب واشتراكات الأفراد.
فعلى الدول التي تعتزم تطبيق الرعاية الشاملة الاجابة على الاسئلة المحورية والتي تحدد موقفها من ابعاد هذه الرعاية الثلاثة ، من هم السكان المشمولون بالتغطية، ما هي الخدمات التي ستقدم اليهم ومدى جودتها، وما هي مصادر تمويل هذه الرعاية ، حيث يشكل موقف صناع القرار من العلاقة بين هذه الابعاد ومدى قدرتهم على تحقيق التوازن بينها الاساس لنجاح هذه التغطية.
لا يوجد وصفة موحدة لتحقيق الرعاية الصحية تصلح لجميع البلدان فهناك عوامل متعددة تحكم هذه العملية مثل الظروف المحلية للبلد والاحتياجات الصحية للسكان ومستوى النمو الاقتصادي والظروف السياسية حيث تشكل هذه المحددات مجتمعة الاساس لاي خطة من اجل تطبيق الرعاية الصحية.
هناك تجارب مشرقة لدول مثل سنغافورة وتركيا وتايلاند والبرازيل وغيرها حيث ساهم تطبيقها للرعاية الصحية الشاملة في رفاه السكان وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال أحد أهم عناصرها فالاستثمار في الصحة سينعكس حتماً على تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأفراد والمجتمعات.
لكن لا يمكننا أن نبدأ بتطبيق رعاية صحية شاملة دون اجراء إصلاحات صحية واسعة النطاق تستهدف تحسين جودة الخدمة الصحية فلا يكفي ان نضمن للمواطنين خدمة صحية باسعار منخفضة ما لم تكن هذه الخدمة عالية الجودة وتؤدي إلى تحسن ملموس للنتائج الصحية ، كما يجب أن تمتاز هذه الخدمة بسهولة الوصول إليها دون تعقيدات غير مبررة.
تبدو الحكومة جادة من خلال تحركاتها الأخيرة في تحريك مياه التغطية الصحية الشاملة الراكدة لكن الأيام القادمة كفيلة باختبار مدى قدرتها على احتمال كلفتها الاقتصادية والسياسية.