سجائر بلا هوية

18/03/2015
ما أن يُذكر أمامي أحد أنواع السجائر المشهورة، حتى تقفز إلى مخيلتي صورة ذاك الشاب الجذاب من الغرب الأميركي، بلباسه المميز، يشعل سيجارته بواسطة قطعة حطب اقتبست من نار مشتعلة أمامه.

هذا بالضبط ما سعت إليه الحملات الإعلانية لشركات التبغ خلال العقود الماضية؛ ربط التدخين بصورة نمطية إيجابية تناسب العمر، والجنس الموجهة إليهما.

فرسالتها للفتيان أن التدخين هو عنوان الولوج الى الرجولة المبكرة. أما بالنسبة للفتيات، فهي أنه عنوان التحرر والانعتاق من قيود المجتمع. ولم يسلم الأطباء من استغلالهم لإيصال رسالة تنفي احتمالية الإضرار بالصحة.

يعتبر الخبراء أنه لم تنجح صناعة على مدى العصور في حملاتها الدعائية والإعلانية، كما فعلت شركات التبغ. فقد استخدمت أفضل خبراء الإعلان وعلماء النفس والاجتماع. حتى إن البعض يعتقد أن صناعة التبغ ساهمت في تطوير صناعة الإعلان، قدر مساهمة الأخيرة في انتشار الأولى.

لذلك، تنبهت الدول المتقدمة مبكرا لأهمية الإعلان في التأثير على الشباب والفتية، وفي تحفيزهم للانضمام إلى جحافل المدخنين؛ فوضعت قيودا صارمة على هذه الإعلانات، إلى أن وصلت إلى منعها بالكامل.

لكن بعض الدول -مثل أستراليا وإيرلندا، وقد تلحق بهما إنجلترا قريبا فيما إذا صادق مجلس اللوردات على قرار مجلس العموم- اتخذت خطوة أكثر تقدما وجرأة، بفرضها على شركات التبغ توحيد عبوات السجائر، بحيث تصبح بلا علامات فارقة، وبلا عنوان واضح، أو زخرفة تخطف الأبصار.

فقد دلّت العديد من الدراسات على أن توحيد العبوات يؤدي إلى لفت انتباه الناس إلى التحذيرات الصحية المفروضة عليها، وبالتالي التقليل من جاذبيتها التي تتفنن شركات التبغ في تصميمها، وتهتم بكل تفصيل في هذا التصميم لتضمن أقصى درجات الجاذبية.

أعلم أن من ابتلي بهذه الآفة لن يثنيه عن التدخين شكل العبوة، حتى لو اتخذت شكل كفن أو تابوت. لكن الهدف من هذا الإجراء هو التقليل من الأعداد المتزايدة من الشبان الذين ينضمون سنويا إلى نادي المدخنين، والذين يشكلون ضمانة لاستمرار وازدهار هذه الصناعة.

لا شك في أن توحيد شكل علبة السجائر لن يقضي على آفة التدخين. لكنه إحدى الوسائل التي قد تكون ناجعة في معركة طويلة ومعقدة، ومتعددة الأساليب.