سيرفرات طبية

07/10/2015
يذهلونك بالكم الهائل من المعلومات التي يحفظونها: بعضها مهم، وكثير منها لن يحتاجوه طوال حياتهم. أرقام، ونسب، وأسماء غريبة، ومتلازمات نسبة حدوث بعضها أقل من واحد لكل مليون. لكنك ما إن تخرج عن المنهاج قليلاً، حتى تتبدل الحال وتبان الفجوة، فتخال نفسك أمام شخص آخر!

الاستهلال السابق من وحي المقابلات التي نجريها لكثير من خريجي كليات الطب في جامعاتنا. وهو مؤشر خلل في بنية التعليم الجامعي عندنا.

فالطالب عندنا يحبس نفسه في سجن اختياري؛ قضبانه المادة المقررة، ولا يكاد يتجاوز الخطوط التي رسمها لنفسه، واضعاً العلامة نصب عينيه كهدف وحيد. وقلما تجد من يتخطى ذلك لممارسة نشاط خارج المنهاج؛ سواء كان قريباً من مجال تخصصه أم لا.

لذلك، تجد خريجينا يتفوقون على غيرهم في امتحانات القبول، لكن كثيرا منهم لا يوفق في المقابلات، مما يؤثر سلبا على فرصهم في الالتحاق بمراكز تتناسب مع قدراتهم الحقيقية.

ففي المقابلات، عادةً ما يركز الممتحن على الصفات القيادية، وملكات التواصل الإنساني، وطريقة التفكير، واتخاذ القرار في اللحظات الصعبة. فهو يفترض بالطالب الذي تخرج من كلية معترف بها، امتلاك الحد الأدنى من المعلومات التي تؤهله لاكتساب مزيد من المعرفة والمهارة لمتابعة طريقه المهنية.

في زمن أصبحت فيه المعلومة على بعد ضغطة زر، لم يعد هناك داع لحشو أدمغة الطلبة بكم هائل من المعلومات، بل يجب تعليمهم طريقة إدارة المعلومة وتمحيصها. فالجامعات هي الحاضنة الطبيعية التي تتشكل فيها وتصقل شخصية الإنسان، من خلال تفاعله مع الآخرين، وانخراطه في النشاطات المختلفة؛ سواء كانت علمية أم أدبية أم تطوعية أم سياسية. وعندما كانت الجامعات تقوم بهذا الدور، أنتجت قادة مجتمع في جميع مجالات الحياة. ولذلك تجد أن أعدادا كبيرة من الأدباء والشعراء والسياسيين هم من خريجي كليات الطب.

يجب العمل على إخراج طلبتنا من السجن الذي وضعوا فيه أنفسهم، إلى فضاء المعرفة المتعددة؛ ومن التقوقع على النفس والأمية الاجتماعية والانفصال عن المجتمع، إلى فضاء الاندماج بالمجتمع وتحسس همومه، والتأثير فيه؛ ومن بناء شخصية “السيرفر” إلى بناء الشخصية القيادية.

المصدر:(الغد) http://tinyurl.com/oxmzhj5