“شروق الشمس” وأخواتها
09/09/2015
يتدلى أنبوب المحاليل الوريدية ليتصل بتلك اليد النحيلة، بينما الأخرى تمسك بالقلم، وصاحبتهما يَتنقل ذهنها ونظرها بين قطرات السائل التي تتهادى نزولاً وتقطر برتابة وانتظام في طريقها إلى جسدها الذي أنهكه المرض، وبين الكتاب المفتوح أمامها.
لم يخطر ببال “شروق الشمس”، ابنة السابعة عشرة، والفتاة المتفوقة دراسيا التي تنتظر عامها الدراسي الأخير، والامتحانات الفاصلة بين مرحلتين من حياتها، أنها ستقضي معظم أيام ذلك العام في المستشفى، تحيطها غابة من المعاطف البيضاء، وتقتحم إبر من مختلف المقاسات والألوان، جسدها الصغير الذي استباحته المركبات الكيماوية، بينما هي تساهر الحمى وترقب تقلبات كريات دمها البيضاء هبوطا وصعودا، تستحثها وتخشى استنزافها كما يخشى الجندي نفاد ذخيرته.
فتاة هادئة تفيض عيناها ذكاء ورقة، ما تزال قريبة عهد بالطفولة وأحلامها، وما عليها إلا أن تجتاز هذا الامتحان، لتعبر من خلاله إلى المستقبل المبشر الذي يحلم به كل طالب. لكن القدر كان قد اختارها لامتحان آخر. اختار له البداية وهي تتوضأ بين يدي الصلاة، لتعثر يدها بزائر غريب جاء على غير ما انتظار؛ كتلة غريبة لم تعهدها من قبل في هذا المكان، لتكون هذه نقطة التحول وبداية لرحلة شاقة استمرت أشهرا طويلة.
لكن إرادة هذه الفتاة، والدعم الذي حظيت به من قبل أهلها ومحبيها وطاقم المستشفى، ساعداها على تخطي هذه المحنة، وتحويلها إلى منحة تقويها في مواجهة عقبات الحياة. فلم تركن إلى المرض وتحمله المسؤولية عن أي تقاعس أو فشل، بل استعانت به على تقوية روحها المعنوية، إلى أن جاء اليوم الذي أشرقت شمسه على خبر انتصارها في معركتين خاضتهما في آن واحد؛ فقد انتصرت في معركتها مع المرض حيث منَّ الله عليها بالشفاء، وفي معركة “التوجيهي” حيث حصلت على معدل 96، مما أهلها لدراسة التخصص الذي رغبت فيه.أتذكر اليوم شروق وقصتها كما قصص زميلاتها: زينة وهلا وهبة وغيرهن، ونحن نكرم ثلّة جديدة من مرضى المركز الذين منَّ الله عليهم بالشفاء، وبالتميز في امتحان الثانوية العامة، فضربوا مثلا لكل المتقاعسين الذين يحاولون إلقاء مسؤولية إخفاقهم على الجميع إلا أنفسهم.
فقد ضرب هؤلاء الفتية والفتيات المنهكين جراء قتالهم على جبهتين، المثل لكل الأصّحاء، أن الامتحان هو امتحان إرادة قبل أن يكون امتحان كفاءة.