عام “البلوك تشين”

يناير 5, 2018

.

أوصاف كثيرة أطلقها الإعلام والناس على العام المنصرم وكذلك العام الجديد، تنوعت واختلفت هذه الأوصاف بحسب ما مر من أحداث، أو انصرف اليه من اهتمامات أو مقدار التشاؤل لديه. كثير من العاملين في الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا الحديثة اختاروا أن يطلقوا على عامنا الجديد عام سلسلة الكتل أو “Blockchain” ، قاصدين بذلك التقنية الثورية التي ساعدت على تطبيق وتبادل العملات الافتراضية التي أشعلت الدنيا نهاية العام حين تضاعفت قيمتها أضعافا مضاعفة في أشهر قليلة.
يقول أهل الاختصاص إنه وبغض النظر عن “فقاعة العملة الافتراضية”، فان هذه التقنية تستجيب لحاجات متعددة وحقيقية، وهي قادرة على حل مشكلات مشخصة، وتوفر الكثير من المال والوقت، وبذلك فهي مرشحة لأن تشكل ثورة جديدة، وانها ستغير من طريقة تسجيل وحفظ وتبادل الأشياء ذات القيمة مثل الأموال والاسهم وبراءات الاختراع والسجلات الطبية وملكيات الأراضي والعقار والتصويت في الانتخابات.. وقائمة طويلة متزايدة من الخدمات والتطبيقات. ويتوقع هؤلاء أن تساهم هذه التقنية في القضاء على المزيد من خدمات الوساطة المختلفة، والتي تترنح تحت مستجدات الانترنت والتجديدات والمخترعات والتطبيقات المتلاحقة.
ويرى المختصون أن سلامة وأمن وشفافية هذه التقنية تشكل مسوغات أساسية لتعميم نشرها، ولكن الأخبار ما تزال تنقل الينا اختراقات جديدة نتجت عنها سرقات بملايين الدولارات من العملة الالكترونية والتي تستند الى هذه التقنية عالية التشفير والحماية، ولكن مثل هذه الاختراقات لم تمنع سابقا من انتشار كافة تقنيات الانترنت وتطبيقات الهواتف الذكية، والتحول الرقمي والتجارة الالكترونية، فلماذا ستختلف الحالة هنا؟
قائمة المهتمين بهذه التقنية تمددت وشملت حكومات وبنوكا كبيرة بالاضافة شركات تقنية المعلومات، وضخ هؤلاء استثمارات طائلة مما يشير الى جدية هذه التقنية ومن يقف خلفها، وبدأت شركات جديدة تظهر بهدف الاستثمار في خدمات وتطبيقات تتصل بهذه التقنية. حكومة دبي سبقت الاخرين واعلنت أنها بدأت بتطبيق هذه التقنية، وإن بدت هذه المحاولات غير ظاهرة الجدوى، اذ يبدو أنها من قبيل حجز مقعد بانتظار التطوير والتجويد.
ترى كيف سنتعامل محليا مع هذه الظاهرة التقنية القادمة من عالم مترابط لن ينتظرنا لتوفيق أوضاعنا لاستيعاب هذه التغييرات الجامحة وهل نحن مهتمون كمجتمع وحكومة بالتعامل مع سجل الكتروني مفتوح ومشترك لكل ما له قيمة، هل نحن مهتمون بتتبع حركات المواد التي نتعامل بها من خلال قواعد بيانات مفتوحة تحمل تاريخ المادة من الوجود الى الفناء؟ هل نحن معنيون بتوثيق وتقييم مصداقية المتعاملين في هذه المواد ذات القيمة؟
إن التعامل مع الظواهر التي تغير من طرق وأساليب العمل، والقواعد الراسخة في الإجراءات، يحتاج إلى تشريعات ملائمة، وبيئة عمل متكيفة، وبالطبع سيكون هناك مستفيدون من الداخل والخارج، ومتضررون من الداخل، ومن هؤلاء مؤسسات الدولة وشرائح ومؤسسات في المجتمع، ولنا في تجربة تطبيقات التاكسي مثال، إذ يبدو أن الحذر والتردد والانتظار هي السمات الأبرز لتعاطينا مع هذه الظواهر. واذا كنا لا نملك رفاهية المجازفة والمغامرة، فلا أقل من أن لا نتأخر كثيرا، فإذا حان الوقت نكون جاهزين لما هو ضروري من خلال الرصد المبكر والدراسة والنقاش المفتوح والمتابعة المنهجية.