فرصة عمل.. الآن
مارس 1, 2019
طغت مشكلة البطالة مجددا، وفرضت نفسها كأكبر التحديات التي تواجه الدولة الأردنية، ما يحتم على الدولة والمجتمع توفير معالجات لهذا التحدي على مستويات متعددة، فهناك الظرف الملح الذي نشأ عن تداعيات مسيرات المتعطلين عن العمل، وهذه المعالجة لا تستوعب حديثا عن خطط واستراتیجیات، قبل أن يتم تحقيق إجراءات مطمئنة للمتعطلين، و/ أو توجيه خطاب مختلف ومقنع يفسح المجال أمام مستويات أخرى من المعالجة الهادئة والشاملة، حيث تشير الإحصاءات إلى أن أعداد الباحثين عن العمل في الأردن تتراوح بين 250-300 ألف عاطل عن العمل من الجنسين، ترافقها أرقام متواضعة للنمو الاقتصادي، وفرص العمل المستحدثة، ما يستلزم حوارا مجتمعيا ومعالجات على المديين القريب والبعيد كأولوية وطنية لحفظ الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
أسواق العمل المتاحة أمام قوة العمل الأردنية هي السوق المحلي المباشر وأسواق الدول الجاذبة وسوق العمل الافتراضي أو العمل عن بعد، وأي معالجة لموضوع البطالة يجب أن تستوعب الفضاءات الثلاثة، سواء نظرنا إلى مشكلة البطالة بشكل مستقل أو ضمن نهج متكامل.
الأسواق الخارجية يمكن اختصارها في الأسواق الخليجية، والتي تسعى وبخطى حثيثة لاحلال العمالة الوطنية مكان العمالة الوافدة. إن رصد هذه الأسواق أمر مهم للمحافظة على حصة مناسبة للعمالة الأردنية فيها، فمن المتوقع ان تشهد هذه الأسواق طلبا متزايدا على خدمات التدريب والتأهيل لدعم عمليات التحول، كما بدأنا نشهد سعي القطاع الخاص في بعض هذه الدول للاعتماد على تشغيل موارد بشرية عن بعد لمواجهة زيادة كلفة اليد العاملة، وضعف التنويع في الموارد البشرية، وهذا يوفر فرصة للقطاع الخاص الأردني لتوفير مثل هذه الخدمات ومنافسة الأسواق النشطة والمهيئة لمثل هذه النماذج من الأعمال مثل الهند ومصر وبالتالي تعويض ما يفقد من وظائف بسبب سياسات التوطين.
أما أسواق العمل الافتراضية أو العمل عن بعد، أو العمل بدوام جزئي ومن خلال الإنترنت، فهي فضاءات تنمو بسرعة، فقد أظهرت دراسة في نهاية العام الماضي أن حوالي 20-25 % من العاملين في السوق الأميركي عملوا جزئيا أو كليا من خلال هذه الوسيلة، فبيئة العمل تتيح للعامل الانفتاح والمنافسة في الفضاء السحابي المفتوح على العالم مما يتيح مرونة عالية، فلا يرتبط بأوضاع سوق محدد، وتتسع دائرة المشغلين للعمالة المنزلية لتشمل مستشفيات وبنوكا ومؤسسات تعليمية بالإضافة إلى شركات تقنيات المعلومات والشركات الاستشارية. وهناك أردنيون ولجوا إلى هذا السوق بنظام جزئي أو بتفرغ كامل، ولكن لا يمكن تقدير حجم قوة العمل هذه في ظل عدم وجود دراسات يعتمد عليها ولكنها ظاهرة ملموسة عند زيارة مواقع هذه الخدمات. ومن يريد أن يختبر هذا الخيار، عليه أن يتسلح بمهارات المحادثة والكتابة باللغة الإنجليزية، وأن يمتلك من الصبر ما يؤهله الحصول على أول مهمة، وبعدها يهون الأمر.
ويظل السوق الأساسي للتشغيل والتوظيف هو السوق الحقيقي المحلي في قطاعه العام الذي اتخم بالموظفين والخاص الذي يعاني من شبح الركود، ما يوجب على الدولة والمجتمع فتح الموضوع للبحث وتقديم المبادرات.
هناك استراتيجية وطنية للتشغيل 2011-2020 هدفت إلى “تحسين مستويات معيشة الأردنيين من خلال زيادة فرص العمل والأجور والمنافع وتحسين الإنتاجية” وحددت العام 2014 كإطار زمني لتحقيق الأهداف قصيرة الأجل، ما يعني أن الاستراتيجية لم تنجح في تحقيق أهدافها، وتجاوزها الزمن، وقد اعترف تقرير حالة البلاد الأخير بالعديد من حالات القصور والفشل في تحقيقها مثل: “ضعف كفاءة التنفيذ” و”الفشل في التزام ممثلي الوزارات في المجلس التنفيذي” و”ضعف الإطار المؤسسي” وغير ذلك. لكن الموقع الرسمي لوزارة العمل ما يزال يعرضها.
بات لزاما على الحكومة أن تقدم بديلا على شكل سياسات أو خطط استراتيجية أو أي صيغ اخرى، فقد أشار الدكتور عمر الرزاز في تقديمه للاستراتيجية بصفته رئيس الفريق الفني الذي أعدها أن “المهمة تتطلب رؤية استراتيجية واضحة.. وهذا يتطلب أن تجعل الحكومة قضية التشغيل القضية المركزية في سياستها الاقتصادية”. والمهمة تتطلب تضافر الجهود لتقديم حلول لمواجهة المعضلة، لكن بغض النظر عما ستقدمه الدولة والمجتمع، فإن الباحث عن فرصة العمل، والوافد إلى سوق العمل عليه أن يحاول حل مشكلته قدر استطاعته، وربما انتزاع الفرصة المناسبة في سوق العمل المحلي أو الإقليمي أو العالمي ما وجد إلى ذلك سبيلا، فالأردنيون يمتلكون هذه القدرة.