فلنشركهم في الأمر

21/01/2015
في ظل التضخم المتسارع الذي تواجهه الدول في قيمة الفاتورة العلاجية، يقف صناع القرار أمام معضلة كبيرة، تكمن في الاستخدام الأمثل للموارد المحدودة لتعزيز صحة شعوبهم. وهو الهدف الذي تُنظم من أجل تحقيقه المؤتمرات وورش العمل، ويُدعى إليها الخبراء في مجال الصحة والاقتصاد ورسم السياسات. لكن الغائب الأكبر عن هذه الفعاليات هو المعني الرئيس بها، وأقصد هنا المواطن.

وقد بدأت الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية بوضع أصابعهما على الجرح، من خلال الإعداد لوضع أجندة ما بعد 2015. إذ أجرتا مسحا لآراء أكثر من مليون شخص، يمثلون 194 بلدا، بشأن الأولويات التي تشكل أهمية كبرى في حياتهم. وكان الإجماع على هدفين رئيسين: التعليم الجيد، وتحسين مستوى الرعاية الصحية.

وهذا الربط بين التعليم الجيد والصحة لا يشكل مصادفة ولا مفاجأة؛ فالتعليم الجيد يؤدي بالضرورة إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية. إذ تشير التقارير المختلفة إلى أن التحسن في التحصيل العلمي للمرأة خلال العقود الماضية، شكل العامل الأهم في انخفاض معدل وفيات الأطفال حديثي الولادة.

من هنا كانت التوصية أن تتبنى هذه الأجندة منهجاً شمولياً لصحة البشر، يشمل الحياة بأسرها، مع التركيز على الوقاية من الأمراض.

فمحو الأمية الصحية يشمل قدرة الأفراد على الحصول على المعلومات الصحية الأساسية واستيعابها، بحيث يكون بمقدورهم اتخاذ القرارات الصحية المناسبة. ويعد التثقيف الصحي اللبنة الرئيسة في بناء شراكة حقيقية بين المواطن وصانع القرار. فلا يمكن لشخص جاهل بأساسيات المعلومات الصحية الحفاظ على صحته، فضلا على المشاركة في رسم السياسات الصحية للمجتمع ككل.

ويبدأ التثقيف الصحي منذ سنوات الدراسة الأولى؛ فتشير الدراسات إلى أن إمداد الأطفال بالمعلومات الصحية الأساسية يساهم بشكل فعال في إبعادهم عن العادات القاتلة، مثل التدخين وتناول الكحول وتعاطي المخدرات، كما يزيد من إقبالهم على ممارسة الرياضة، وبالتالي وقايتهم من كثير من الأمراض التي قد يواجهونها مستقبلا. فدرهم ننفقه على تحسين نوعية التعليم، سينتج عنه توفير دراهم عدة مستقبلاً، بالوقاية من الأمراض السارية وغير السارية.

كما ينصح بإشراك المواطن في تصحيح ومراجعة وتطوير كل وسائل الاتصال والمواد التثقيفية المتعلقة بالمرضى وأسرهم، ذلك للتأكد من مدى سهولة فهمها، ومواءمتها للمواطن العادي، بحيث نصل في نهاية المطاف إلى إشراك المواطنين في مؤسسات صنع القرار، من خلال ضم ممثلين عنهم في مجالس صنع القرار المختلفة، أو باستخدام الوسائل الحديثة التي أتاحتها لنا وسائل التواصل الاجتماعي والتي لم تكن متاحة من قبل.

كل هذا يتطلب أيضاً تغييراً في سلوك القائمين على الرعاية الصحية، بحيث تتغير نظرتهم الى المريض؛ من شخص متلقٍ سلبي للتعليمات الصحية، إلى شريك حقيقي يسهم في صنع القرار. ولن يكون ذلك ميسوراً ما لم يتم تعلم مهارات الحوار والتواصل بين العاملين والمواطنين، لننتقل من السؤال التقليدي الذي نوجهه “ما مشكلتك؟”، إلى “ما هو الأمر الذي توليه أهمية كبرى؟”. وأن نتعلم النظر إلى المرض من خلال عيون المريض. فقد توسعت منظمة الصحة العالمية في تعريف مفهوم الرعاية الصحية، إلى الرعاية التي يكون محورها الإنسان، بحيث تُبنى حول الاحتياجات الصحية وتوقعات الأفراد والجماعات، بدلاً من التركيز على الأمراض بحد ذاتها.

فالرعاية التي محورها الإنسان تتعدى الرعاية السريرية التي تلبي حاجة المريض، لتشمل الأفراد والمجتمعات.