قراراتنا بين الدليل العلمي وميولنا الشخصية

11/12/2016
نتفاجأ في حياتنا العملية وتعاملنا مع المرضى والأطباء، من الاختلاف بين شخص وآخر في آلية اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهم أو بحياة من حولهم؛ لماذا يتخذ الناس قرارات مختلفة بصورة جذرية حيال مشكلة واحدة وقضايا متشابهة، مثل تناول دواء ما، أو الخضوع لإجراء جراحي، أو وضع المريض على أجهزة التنفس الصناعي… إلى آخر هذه الخيارات التي كثيرا ما نجد أنفسنا أمامها، أطباء ومرضى وأهالي.

يسألني كثيرون عن سبب اختلاف آراء الأطباء حيال مشكلة ما. وكثيرا ما ينظر الناس إلى هذا كمؤشر على حالة عدم اليقين لدى هؤلاء الأطباء، لكن الواقع غير ذلك.

فاختلاف الأطباء بشأن قرار طبي ما، مرده طريقة تفكيرهم كبشر، والكيفية التي يوازنون بها بين الفائدة المرجوة والمخاطر المحتملة. فقراراتنا، حتى لو كنا أطباء أو علماء، ليست بالضرورة عقلانية، وإنما تتأثر باختلاف طرق تفكيرنا كبشر، وإن كنا من أتباع مدرسة واحدة.

إن اتخاذ القرار الطبي عملية معقدة، لا تخضع في كثير من الأحيان لقواعد المنطق الرياضي، حتى لو استندنا خلالها للمعلومة نفسها، أو الرقم الإحصائي ذاته؛ فهذه كلها حمّالة أوجه. إذ هناك عوامل أخرى تؤثر في قراراتنا، منها: معتقداتنا الشخصية، وعواطفنا، وميولنا، وذكرياتنا وتجاربنا السابقة، ومدى ثقتنا بأنفسنا، وعوامل كثيرة تتحكم بطريقة قراءتنا للمعلومة العلمية، وبالتالي انحيازنا لقرار ما دون الآخر.

فالإنسان الذي ينزع بطبيعته إلى المخاطرة، يحاول أن يعظم الفوائد المرجوة، وأن يقلل من احتمالية ودرجة المخاطر التي قد تترتب على قراره؛ وهو بذلك عكس الشخص المتحفظ الذي يحسب حسابا ربما قد يكون مبالغا فيه للمخاطر.

كما أن خياراتنا تعتمد على نقطة الارتكاز التي ننطلق منها. فالخيارات بالنسبة للشخص السليم، تختلف كليا عنها بالنسبة للمريض؛ إذ قد يتساوى الموت مع المرض الشديد المُقعد بالنسبة للشخص السليم، أما بالنسبة للشخص المريض فإن هناك فارقا بين وضعه الحالي وبين ما هو أسوا، لذلك نجد أن المرضى على استعداد أكبر لتقبل الإجراءات الطبية الصعبة، فالنسبية هي التي تحكم قرارتهم. ومن هنا أيضا يأتي اختلاف وجهات النظر بين الأطباء من تخصصات مختلفة، وبين الأطباء من جهة وبين المريض وأهله من جهة أخرى، في تقييمهم للنتائج نفسها.

إذن، هي الموازنة بين الكسب والخسارة التي تحكم قراراتنا الحياتية، ودرجة قبولنا بالمخاطرة، ما يتحكم بقراراتنا الصحية. وعلينا كأطباء أن نَعرض للمريض، بصورة واضحة، وجهي عملية القرار وما يرافقهما من تحيز ذاتي لأي منهما، وترك عملية اتخاذ القرار له.

فالقرار الطبي السليم يوائم بين الدليل العلمي والخبرة الطبية وخيارات المريض، مع الأخذ بعين الاعتبار قدرا غير محدد من عدم الوضوح لما ستؤول إليه الأمور في المستقبل.