قيادات هندية لكبرى الشركات

مارس 6, 2020

في الأسابيع القليلة الماضية سلطت وسائل الإعلام الضوء على تزايد اعتماد كبرى الشركات في أميركا والغرب على مدراء تنفيذيين من أصول هندية، وكان ذلك تعقيبا على اختيار كل من عملاق التكنولوجيا «أي بي ام» و عملاق العقارات «وي ورك» لمدراء تنفيذيين من أصول هندية. لقد كان تعيين كريشنا وسانديب في هذين الموقعين حلقة في سلسلة ضمت مدراء تنفيذيين لشركات مثل «الفابت-جوجل» و«مايكروسوفت» و«نوفارتس» و«نوكيا» و«ديلويت» وغيرها بلغوا قمة الهرم الإداري لشركات تقدر القيمة السوقية لكل منها بعشرات أو مئات المليارات من الدولارات. وهؤلاء المدراء هم من حملة الأسماء الهندية والمنشأ الهندي والتعليم الهندي بل وبعضهم المظهر الهندي أيضا – المدير التنفيذي لماستركارد مثلا يحافظ على مظهر السيخ من غطاء الرأس وإطلاق الذقن-.
وخلف هؤلاء الذين وصلوا إلى قمة الهرم في الشركات الأغنى والأكثر تطورا، هناك اعداد كبيرة من مدراء بدرجة اقل، ومدراء تنفيذيون لشركات متوسطة وصغيرة، ورجال أعمال يديرون أعمالهم الخاصة، والكثير من أولئك وهؤلاء نشأ وتلقى تعليمه في الهند، قبل أن يسلك طرقا يجيدها الشباب الهندي الطموح للدراسة والعمل والهجرة إلى بلاد الفرص والثروة.
في تفسير هذه الظاهرة، حاول البعض ارجاعها إلى العولمة المؤسسية، وطبيعة الشركات الكبرى -خصوصا الأميركية-، والانتشار الكبير للتقنيات الحديثة في الأعمال، في حين عددت الكاتبة “ميترا كاليتا” والمتخصصة في مواضيع المهاجرين في الولايات المتحدة على موقع «سي ان ان» أسبابا متنوعة لهذه الظاهرة في طليعتها عوامل تتعلق بطبيعة ظروف وتحديات الحياة في الهند، والتي تجعل الهندي أكثر اعتيادا وتقبلا للظروف المتغيرة والتقلبات الاقتصادية والتنوع الثقافي وهو ما تحتاجه الشركات الكبرى لتمكين «التحول» الضروري للاستمرار والمنافسة. ثم ذكرت ثمانية عوامل أخرى منها الاهتمام بالتعليم، وعلوم البيانات، والتماسك العائلي التي يتميز بها الهنود إلى حد ما. ولا ننسى بالطبع أن هذا البلد يسكنه أكثر من مليار إنسان.
من المعروف ان الهند -كدولة ومجتمع- أتقنت الانسجام مع الاقتصاد العالمي إلى حد بعيد، واستفادت كثيرا من فرص العولمة، وخصوصا الشباب المتطلع إلى العمل في الشركات العالمية -سواء من داخل الهند أو في الخارج -، وبالتالي كان الاهتمام بتعلم اللغة الإنجليزية كبيرا، وتوسع التخصص في مجال الخدمات لتلبية احتياجات الأسواق الجاذبة للمواهب -مقارنة بتوجه الصينيين مثلا نحو الصناعة-، وعرفوا الطرق التي توصلهم إلى تلك الدول والشركات، وكان للمجتهدين منهم نصيب موفور. وفي زيارة الرئيس الأميركي الأخيرة إلى الهند، كان الخطاب الهندي واضحا حول « أهمية استمرار تدفق العمالة والمواهب الهندية إلى السوق الأميركية باعتبارها جانباً مهماً من التعاون الاقتصادي بين البلدين يجب أن يستمر دون تضييق» كما ورد على لسان وزير الشؤون الخارجية الهندي.
إذا كان الكثيرون في الغرب قد تقبلوا وجود القيادات الهندية على رأس أفضل مؤسساتهم، إلا أن هذا لم يخل من مظاهر اعتبرها الهنود تمييزا ضدهم، أو تضييقا عليهم، ومن ذلك سياسة ترامب في التقليل من تصاريح العمل من نوع (H-1B) الخاصة بالمؤهلين تأهيلا تقنيا خاصا، حيث تبلغ نسبة الهنود 70 % من الحاصلين على هذه التصاريح، ويشتكي الهنود من بعض مظاهر التمييز ضدهم، فحتى ساتيا ناديلا والذي اختير كأحد أفضل المدراء التنفيذيين للعام 2019 ألمح في كتابه «رحلة إعادة اكتشاف مايكروسوفت» الى وجود تمييز عند البعض ضد الهنود أو الأجانب.
وفي الجانب الآخر هناك حملات ضد الإدارات الهندية في العديد من المؤسسات خصوصا في «وادي السيلكون» حيث ينشط رجال الاعمال والمدراء الهنود والذين يتهمهم الكثيرون بالتمييز ضد الأميركان والأقليات الأخرى، والتضييق على العمالة غير الهندية وتم نشر الكثير من التقارير بهذا الإتجاه على مواقع إلكترونية ووسائل إعلام مختلفة، ورفعت قضايا كثيرة أمام المحاكم الأميركية. حيث يتهم الهنود بأنهم يحملون ثقافة النظام الطبقي من آلاف السنين ولم يتخلوا عنها، ويطبقونها في مؤسساتهم حتى في الغرب وبالتالي يضطهدون الآخرين بل ويضطهدون أبناء جلدتهم أيضاً بذات الثقافة، وهي ذات الشكاوى التي تثار في دول الخليج العربية أيضا حول العمالة الهندية.
المدراء الهنود الذين بلغوا الإدارة العليا في الشركات الكبرى توجوا بذلك رحلة طويلة في العلم والبحث والعمل أوصلتهم إلى هذه المواقع المرموقة، وهم بذلك نموذج جيد -بالإضافة إلى نماذج أخرى- يمكن أن يحتذيها شباب الدول النامية لشق طريقهم إن في بلادهم -وهو الأفضل- أو في المهاجر.