كوكتيل وكفتة وسرطان
30/08/2016
عشرات الاتصالات وردتني من أصدقاء ومرضى طالبين مني التعليق على الخبر الذي تناقلته وسائل إعلام مؤخرا، على نطاق واسع، بشان تمكن شخص نمساوي من شفاء آلاف المرضى المصابين بالسرطان وأمراض أخرى مستعصية، باستخدام مزيج من عصير الخضراوات.
ورغم قناعتي المسبقة بعدم صحة الخبر؛ إذ إن الطب لا يعرف “الرصاصة السحرية” التي تشفي من كل العلل، وأن لله سننا كونية لا تتبدل ولا تتغير بالأماني وإنما بالعمل المستند إلى قوانين العقل والمنطق، وأن المعرفة البشرية عملية تراكمية لا يمكن أن تأتي من الفراغ، فإنني حاولت جاهدا أن أُبحر في محركات البحث على شبكة الإنترنت علّني أجد أصلا لأي دراسة علمية رصينة عن هذا النوع من العلاج، أو أن أصل إلى سجل المرضى الذين “عولجوا” بهذه الطريقة. إلا أنني فشلت في مسعاي. وكل ما وجدته معلومات يغلب عليها الطابع الصحفي. وهذا لا يعتد به في المواضيع العلمية.
فالسرطان مرض معقد؛ بل هو عدة أمراض تشترك في الاسم لكنها تختلف في الأصول والمسببات والمآلات. لذلك، من المستبعد أن يكون علاجه بطريقة واحدة، فما بالك إذا كانت الطريقة لا تستند إلى دليل علمي.
من طبع الإنسان انتظار المعجزات التي تغير واقعه إلى آخر أفضل. وقد أخبرنا القرآن الكريم أن طلب اجتراح المعجزات كان ديدن الأقوام الغابرة مع أنبيائهم. لكن هذه المعجزات كانت على نطاق ضيق جدا، ولحكمة تتجاوز المعجزة نفسها إلى إقامة الحجة على طالبيها. كما يزخر الموروث الشعبي للأمم بقصص انتظار المعجزات التي تنتشل الإنسان من الفقر والمرض والظلم.
لا شك أن الإنسان يعيش على الأمل. لكن ذلك يجب أن لا يعطل العقل الذي يجب أن نحكّمه في مختلف مناحي حياتنا، حتى إن اصطدم مع رغباتنا وأمنياتنا.
عودة إلى موضوع “كوكتيل الخضار”، فلا شك أن للتغذية السليمة دورا في الوقاية من السرطان، وفي مساعدة الجسم على تقبل وتحمل العلاج. لذلك، تجد مختلف مراكز السرطان تستعين بمختصين في التغذية السريرية. لكن أي نظام غذائي يجب أن يؤخذ في سياقه الصحيح وتحت إشراف المختصين، وأن لا نبالغ في التوقعات، وإلا انتهينا الى ما يشبه قضية “سيخ الكفتة” سيئ الذكر، والذي جعل منا أضحوكة للعالم. فاستبدال اسم “عبدالعاطي” بـ”رودولف” لن يضفي على الأمر مصداقية.
يبقى هنا أن أؤكد على المسؤولية الملقاة على عاتق الصحافة في التثبت من صدقية المعلومة قبل نشرها، خاصة إذا ما كانت هذه المعلومة تتعلق بحياة البشر. ويساعدها (الصحافة) على القيام بهذا الدور، الاستعانة بأصحاب الخبرة.