لماما
06/05/2015
كانت تتطاول بجسدها النحيل محاولة الوصول إلى مستوى طاولة العرض الموجودة في صدر الدكان المجاور، والذي اعتدت شراء حاجات المنزل منه، في محاولة منها لجلب انتباه البائع لطلبها.ظننتها تحاول شراء شيء مما يجتذب عادة من هم في مثل سنها؛ من سكاكر وشوكولاته وغيرها. لكنني صدمت عندما تحرك فمها الصغير مفصحا عن حاجتها بدقة وفصاحة لافتتين: علبة سجائر.
والمفاجأة الثانية أتت من ردها على سؤال البائع “لمن هذه السجائر؟”: “لماما”.
لا أريد أن أسهب هنا في تعداد مضار التدخين، فهذا الموضوع استهلك من كثرة ما كتب عنه؛ ولا عن تطبيق القوانين التي تجرّم بيع السجائر للأطفال؛ ولا عن جشع البعض الذي يرى في بضع دريهمات من الربح ما يبرر بيع هذه الآفة للأطفال. فإذا كان هذا السلوك يصدر عن الشخص الذي نيطت به أمانة رعاية الطفل، وغرست فيه وفي من هم أدنى منه من الكائنات غريزة حماية أطفالهم، فلا يمكن لي أن أُدين شركات التبغ التي تسعى للربح، ولا الحكومات المتقاعسة عن تطبيق القانون، ولا قوى الضغط التي تحول دون إقرار تشريعات رادعة.
تقول الدراسات إن السواد الأعظم من المدخنين يبدأون مغامراتهم مع هذه الآفة في سن مبكرة. وهذا ما أكدته دراسة أجريت على حوالي 1800 طفل في شمال المملكة، أثبتت أن أكثر من نصف المدخنين من الشباب يبدأون التدخين في سن مبكرة جداً (الصف السابع)، وأن حوالي 23 % من الطلاب في هذا العمر هم من المدخنين. كما يشير العديد من الدراسات إلى أن نسبة التدخين تزيد بصورة ملحوظة إذا كان الأبوان أو أحدهما من المدخنين؛ إذ يميل الأطفال إلى تقليد من يعتبرونه قدوة لهم، كما أن التعامل اليومي مع التدخين وأدواته يجعل منه أمرا طبيعياً، فيجد الطفل بيئة مهيئة للتدخين عند أول فرصة يحظى بها.
فالأم التي ترسل طفلها لشراء السجائر، إنما تقرر أن شراء هذه المادة لا يختلف عن شراء أي مادة أخرى، ولا تعبر عن عور اجتماعي أو خطر صحي؛ فلو كان فيه أي عيب، لما سمحت الأم بالتعامل معه.
إن الأهل الذين يقومون بمثل هذا العمل، يفقدون أهليتهم كآباء مسؤولين أمام فلذات أكبادهم بممارسة هذا الدور الذي نيط بهم، من أجل العبور الآمن بأطفالهم حتى يتمكنوا من الحكم على الأشياء بأنفسهم. وعندها فقط تسقط مسؤولية الوالدين أمام القانون والشرع.