ليسوا معصومين
15/10/2014
أثارت فضيحة طبيب الأورام الأميركي، ذي الأصول اللبنانية، فريد فتا، الكثير من اللغط في الصحافة الأميركية والعالمية. إذ وجد فتا مذنباً بخيانة الأمانة؛ وذلك بإيهام مرضاه كذباً أنهم مصابون بالسرطان، وتعريضهم للعلاج الكيماوي (سيئ الذكر) بهدف الإثراء المادي غير المشروع. وقد وجد البعض الحادثة فرصةً سانحة للغمز من قناة الانتماء العرقي لهذا الطبيب؛ بينما توسع آخرون لتشمل إساءتهم الأطباء بشكل عام.
الأطباء، قبل وبعد كل شيء، بشر؛ يعتريهم ما يعتري البشر من ضعف أمام المال والشهوة والسلطة. وقد حفل التاريخ بالعديد من القصص عن أطباء انحرفوا عن الطريق القويمة، فخلدهم سلباً كمجرمين؛ سواء خلال ممارستهم المهنة، أو خارج المهنة كمجرمي حرب أو فاسدين. لكن هؤلاء يمثلون فئة قليلة إذا ما قيست بالسواد الأعظم من الأطباء الذين ساهموا في رفاه وتقدم البشرية، حتى إن بعضهم دفع حياته قرباناً على مذبح العلم.
التعامل مع مهنة الطب، كما التعامل مع أي مهنة أخرى، يجب أن يكون تحت سقف القانون؛ فلا قداسة لإنسان بسبب مهنته أو اللقب الذي يسبق اسمه، سواء كان طبيباً أم قاضياً أم إمام مسجد أو سواه. واحترام أي إنسان يأتي من أدائه لواجبه بإتقان وإخلاص. وعلى الدولة أن تحمي مواطنيها من أي تجاوزات، بغض النظر عن المهنة التي ينتمي إليها صاحب المخالفة.
يستغل البعض هذه الأحداث ويضخمها، ويحاول تعميمها، متعذراً بأن الطب مهنة إنسانية؛ وكأنه ينزع صفة الإنسانية عن باقي المهن! فالأصل في المهن أن تكون جميعها إنسانية ما دامت مفيدة للبشرية، فيما تنتفي عنها هذه الصفة اذا ما انقلبت على المبادئ التي وجدت من أجلها.
أما بشان معزوفة “قَسَم الطبيب”، والتي لا ينفك يكررها البعض كلما كان الحديث عن مخالفة ارتكبها طبيب، معتقدين أن هذا القَسَم يجب أن يشكل رادعاً للطبيب عن ارتكاب مخالفةٍ أو جريمة، فهل يعني هذا التجاوز عن مخالفات من لا يمين لهم؟! ثم، كم من الأيمان تلك التي نحنث بها في حياتنا اليومية؟
في كل الشرائع، السماوية منها والأرضية، لم يُترك الإنسان لضميره وحده فيما يتعلق بالمعاملات، وإنما تم وضع الآليات المناسبة للمحاسبة والردع عند التجاوز. فالأطباء بشر وأبناء بيئتهم، ولا يُطلب إلا أن يُعامَلوا من هذا المنطلق؛ من دون إضفاء قداسة زائفة، لا رجم جماعي ظالم.