ما لا يمكن شراؤه
10/06/2015
لم يخطر ببالي، عندما تلقيت دعوة لزيارة تايوان، أني سأتعرف على أحد أفضل الأنظمة الصحية في العالم. فلطالما ارتبط اسم هذا البلد (الجزيرة) بالتطور التكنولوجي والإلكتروني، لكنه لا يكاد يذكر في مجال الصحة والطب.
جرت العادة أنه كلما دعت الضرورة للتعريف بمستشفياتنا ومؤسساتنا، أن نبدأ ونركز على التكنولوجيا الحديثة، والأجهزة المبهرة، وجمالية المرافق، لتكون العناوين الأهم التي نعمل على إبرازها، بغية ترك انطباع إيجابي عند الحاضرين. لكن الوضع في تايوان كان مختلفا، وإن كانت هذه العناوين حاضرة بقوة. لقد كان العنوان الأبرز هناك هو الإنسان.
الإنسان كان حاضراً في الابتسامة المرتسمة على وجوه الجميع، وفي احترامهم لكبارهم ومعلميهم، وفي تواضعهم الجمّ، كما بالمظهر الحضاري في زيهم، الذي يخلو من أي شذوذ أو مبالغة، وفي الهدوء الذي يعم مرافقهم؛ فالكل يعمل بصمت كخلية نحل ولا تكاد تشعر بوجودهم.
كان الإنسان حاضراً بقوة من خلال الأنظمة المبنية على حاجات المريض الأساسية المتفهمة لرغباته، والتي تتعامل معه كمحور العملية العلاجية الذي تبنى حوله الأنظمة والعمليات كافة.
كثيرون منا يعتقدون أن مفتاح التطور الطبي ينحصر في نقل التكنولوجيا، وفي التطاول في البنيان الأصم، متناسين أن هذه كلها ستنتج نظاما صحيا مشوها، ما لم ترتكز على إرث حضاري لا يمكن شراؤه أو استيراده؛ نظام يغرس في الإنسان من خلال العائلة والمدرسة والمجتمع، وهو أقل كلفة من البنايات والأجهزة. لكننا كعادتنا في معظم أمور حياتنا، نهرب إلى الأمام من الأمور التي يمكننا حلها، إلى تلك التي يحلها غيرنا لنشتريها نحن.
لقد بنى الغرب نظامه الصحي على أساس الكوادر البشرية عالية الجودة، والتكنولوجيا المتطورة، وربط بينها بأنظمة دقيقة تحكم كل مناحي العملية العلاجية. بينما اعتمد الشرق على الإرث الحضاري لشعوبه، لينظم العلاقة بين العامل البشري المؤهل والآلة المتطورة.