ما هكذا تورد الإبل

لقد كان المقطع المصور لطبيب في عيادة يبدو مستفزّا وهو يضع في فمه سيجارة، حديث المدينة خلال اليومين الماضيين؛ بين مشهّر ومدافع. لكن الدرس المهم الذي نستقيه من هذه الحادثة والذي يتوجب على كل العاملين في مجال التثقيف الصحي الالتفات اليه ومراعاته هو الابتعاد عن استفزاز الناس، كي لا يؤدي عملهم إلى نتائج عكسية، فالإصلاح يأتي بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، لا بالتشهير بالناس وحشرهم في زاوية الدفاع عن النفس.
أذكر قبل سنوات أن واعظا في مسجد مجاور تكلم عن التدخين، وكان قاسياً في هجومه على المدخنين، وتطرق إلى بعض صفاتهم الشخصية، فكانت ردة فعل بعضهم عكسية أن قاموا بإشعال سجائرهم فور خروجهم من المسجد في رسالة تحد.
لقد نهانا ربنا تبارك وتعالى عن سب آلهة المشركين كي لا تأخذهم الحمية والعزة بالإثم فيسبوا الله عدوا بغير علم، فكيف بنا ونحن نتحدث عن أمور حياتية لا تصل إلى درجة الشرك او حتى الكبائر!
نقع في بعض الاحيان تحت إغراء التشهير ببعض من ابتلوا بعادات سيئة، وتساعدنا التكنولوجيا الحديثة في ذلك من خلال الكاميرات المعدة للانطلاق ووسائل التواصل لتوثيق “بطولاتنا” ونشرها، لكنها بطولات وهمية وبلا هدف إلا تحقيق الشهرة ولو على حساب الغاية والفكرة.
مدمن التدخين ضحية وليس مجرما ويستحق النصيحة بالأسلوب الحسن لا بالتشهير والاستفزاز، وإلا ستكون النتيجة كما شهدنا عندما تعاطف الكثيرون من الأطباء حتى من غير المدخنين مع زميلهم لاعتقادهم أنهم مستهدفون كفئة تم تأطيرها للانقضاض عليها تصفية لحسابات بعيدة عن الحادثة.
التدخين آفة تفتك بالمجتمع الأردني بكل فئاته، والأطباء ليسوا استثناء، وقد يكون “العشم” فيهم أكبر من غيرهم لتوقعنا أن يكونوا رأس الحربة في مكافحة هذه الآفة، لكن قانون مكافحة التدخين لم يفرق بين الناس في العقوبة بناء على مهنتهم أو جنسهم أو مكان عملهم.
التصدر لحمل راية الاصلاح والتنوير مهمة شاقة لا يصلح لها الكثيرون، ويتحتم على من نذروا انفسهم لها التجرد من هوى النفس وحب الشهرة كي لا يكونوا عونا للشيطان على اخوتهم.