مجتمع الكراهية الافتراضي

11/12/2016

مقولة شهيرة لا ينفك يكررها مارك زوكربيرغ؛ مؤسس موقع التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة “فيسبوك”: إن الشبكة تقوم بجمع الناس معا في محاولة لجعل العالم مكانا أفضل، لكنها بالتأكيد ليست المدينة الفاضلة.

يُصدم كل متتبع لوسائل التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية من الكم الهائل لخطاب الكراهية الذي تموج به، بحيث أصبح هذا الخطاب يشكل الصفة الغالبة والسمة البارزة؛ فلا تكاد تجد حوارا هادئا حول أي قضية مطروحة، سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو حتى رياضية، إذ الكل يتمترس خلف قناعاته المسبقة مستخدما كل ما تسعفه به مفاتيح “الكيبورد” تحت أصابعه من ذخيرة ليقصف بها خصومه أو من يخالفه في الرأي، مما يجعلك ممتنا أن الأسلحة الحقيقية لم تصل بعد إلى العالم الافتراضي، وإلا تضاءلت أعداد ضحايا الحروب الحقيقية أمام ضحايا هذا العالم الذي ندعوه افتراضيا.

تحاول الدول والمؤسسات جاهدة العمل على الحد من خطاب الكراهية على شبكة الإنترنت. لكن هذه الجهود تصطدم بإشكالية ثنائية حرية التعبير وإساءة استخدام هذه الحرية، وكيفية رسم الحدود الفاصلة بينهما، ومن هي الجهة المخولة للقيام بهذا الدور. وتوظف الشركات المالكة لمواقع التواصل المئات من الخبراء لتتبع ومحاولة الحد من خطاب الكراهية، مسلحين بالتكنولوجيا بما يشبه الشرطة في عالمنا الحقيقي. لكن المعضلة الكبرى التي يواجهونها تكمن في غياب تعريف متفق عليه لهذا الخطاب، وفي الكم الهائل من الشكاوى التي تصلهم؛ إذ يتلقى هذا القسم في” فيسبوك” أكثر من مليوني شكوى أسبوعيا، بما يجعل عملية متابعه هذه الشكاوى ووأدها في مهدها محدودة الفاعلية.

وتقع هذ الشركات في معضلة اعتماد التعريف الغربي لهذا المصطلح، وهو تعريف تشوبه أحادية النظرة والتحيز للقيم والمصالح الغربية، مما يوقعها (الشركات) في محظور ازدواجية المعايير، الذي يفقدها المصداقية والتقبل بين أتباع الثقافات الأخرى.

وتزداد هذه الظاهرة خطورة في هذا الوقت الذي تتزايد فيه أعداد الناس الذين يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر وحيد للمعلومة، وبالتالي تشكيل قناعاتهم تجاه مختلف القضايا. فعدد الذين يستقون ثقافتهم من أي من وسائل التواصل المشهورة، يفوق عدد الذين يعتمدون الصحف المشهورة والكتب في بناء ثقافتهم وموقفهم، وقدرة موقع مثل “فيسبوك” في تحديد من يحق له الكلام ومن يصمت، تفوق قدرة كل الأنظمة الحاكمة؛ بمحاكمها وشرطتها وأجهزتها الرقابية.

الحلول المطروحة حتى اللحظة هي إما تقنية بحتة، أو قانونية. وهي حلول تبقى قاصرة عن معالجة لبّ المشكلة والأسباب التي تحوّل مجتمعات بأسرها إلى مجتمعات كراهية، تجد في الفضاء الافتراضي مسرحا جديدا لعملياتها القتالية.