من هنا نبدأ

يونيو 21, 2019

يعتقد بعض أصحاب المعالي ممن شغلوا منصب وزير الصحة أن دورهم ينحصر في ادارة المؤسسات المنضوية ادارياً تحت الوزارة، وذلك ينطوي على تقزيم وتحجيم لدور الوزير كأعلى سلطة تنفيذية أنيط بها العمل على تحسين صحة المواطنين، وحتى أن مسؤوليتهم تتعدى المواطنين، لتشمل كل المقيمين على ارض الدولة حسب تعريف منظمة الصحة العالمية، وانطلاقاً من هذا الفهم القاصر لدور الوزير؛ انجر البعض الى فخ التعامل مع القطاعات الطبية الاخرى من باب المنافسة السلبية.
منصب الوزير هو منصب سياسي بامتياز؛ ودوره يتجاوز ادارة الشؤون اليومية للمؤسسات التي تتبعه تنظيميا؛ فهذه في لب اهتمام الامناء العامين، ومدراء الصحة والمستشفيات، بينما تتجسد المهمة الاسمى للوزير في النظر الى القطاع الصحي نظرة استراتيجية واسعة عابرة للقطاعات تسعى الى بناء شبكة صحية تكاملية، بغية الاستفادة من القدرات التي تمتلكها القطاعات المختلفة؛ ومحاولة صهرها في بوتقة واحدة؛ تسعى لتحقيق الهدف الأسمى وهو ضمان صحة ورفاهية المواطنين.
نحن نعاني من حالة فصام بين ما نتحدث عنه في المؤتمرات وورش العمل؛ وننظر إليه امام المؤسسات الاممية، وبين ما نمارسه على ارض الواقع؛ فكلما كثر الحديث عن الشراكة بين القطاعين العام والخاص ترانا نتعامل فيما بيننا كصوامع معزولة، لا يعنينا ما يحدث خارجها هذا في أحسن الأحوال.
لم يخل برنامج حكومي في العقدين الاخيرين من ذكر التغطية الصحية الشاملة؛ بصفته الهدف الأسمى للرعاية الصحية، وقدمنا الوعود للمؤسسات الدولية والمانحة وضربنا لذلك مواعيد متحركة متناسين ان لب هذه الرعاية يكمن في بناء نظام صحي تشاركي يتبنى مقاربة تسعى للاستفادة من عناصر القوة عند مكوناته، فإذا ما درسنا التجارب الناجحة في هذا المجال، نراها استندت الى هذا النوع من العلاقة، ففي تركيا مثلا والتي تعتبر من النماذج الناجحة والتي تدرس، فرغم قوة مؤسسات القطاع العام فقد افردت دورا كبيرا للقطاعات الاخرى، مستفيدة من مرونتها وقدرتها على التحرك برشاقة، لتصب في خدمة المشروع الاكبر.
وفي بلدنا كانت المؤسسة الطبية العلاجية في ثمانينيات القرن الماضي مشروعاً واعداً، تم وأده في مهده من قبل بعض اصحاب الرؤى الضيقة ! ولو قيض له الاستمرار؛ لكنا وصلنا الى الرعاية الصحية التي نصبو اليها.
لن يكون بامكاننا تحقيق رعاية صحية لائقة، واللحاق بركب الدول التي سبقتنا، ما لم نترك تمترسنا في مربعات رسمناها لأنفسنا، وادوار حشرنا انفسنا فيها الى فضاء من التشاركية والتكامل.