نهاية الدكتور فرانكشتاين
11/12/2016
صُدمت الأوساط الطبية بنتائج التحقيق الذي أجرته اللجنة المشكلة من قبل “معهد كارولينسكا” السويدي الشهير، والتي خلصت إلى توجيه أصابع الاتهام للطبيب الشهير ذي الأصول الإيطالية باولو ماكياريني، بإساءة استخدامه للبحث العلمي، وإخفاء حقائق مهمة عن حجم الضرر الذي تحدثه أبحاثه على المرضى.
فالدكتور ماكياريني يعتبر أحد أهم خبراء ما يسمى طب التجديد، وهو أول من قام بزراعة قصبة هوائية مصنعه من البلاستيك والخلايا الجذعية. وقد نال شهرة عالمية واسعة عندما أجرى هذه العملية، ليتحول إلى “سوبر ستار” تتخاطفه المراكز الطبية الشهيرة. كما أصبح ضيفا مرحبا به في المؤتمرات الطبية المتخصصة. وقد بلغ به الغرور أن يقول: “نريد أن نخلق أعضاء جديدة تماما كما فعل فرانكشتاين”.
لكن الشكوك سرعان ما بدأت تلقي بظلالها عليه، وعلى مدى مصداقية أبحاثه، ما دفعه إلى الانتقال لمدينة كراسنادار الروسية، حيث القوانين الطبية والبحثية أقل صرامة. وهناك تابع إجراء عملياته، أو بالأحرى “تجاربه” على المرضى. ليتبين فيما بعد وفاة ستة مرضى من أصل ثمانية خضعوا لهذه التجربة، ثم ليكتشف أن تجاربه لم تمر بمرحلة التجربة على الحيوان.
إن الأبحاث الطبية تحمل بين طياتها الكثير من المخاطر، واحتمالية حصول الضرر للإنسان. ومن هنا تأتي ضرورة وضع ضوابط قانونية وأخلاقية لضمان إجرائها في بيئة من الشفافية والمصداقية. ولا يجوز ترك الأمر للوازع الأخلاقي للباحث أو الطبيب. لذا، لا يجوز إجراء تجارب طبية على الإنسان لأغراض العلاج أو البحث العلمي التجريبي، إلا بعد الرضا المستنير والمتبصر للشخص موضع البحث.
لم تكن حادثة الدكتور ماكياريني أول حالة إساءة للأمانة العلمية، ولن تكون الأخيرة؛ فقد سبقتها العديد من الحوادث، لعل من أبرزها التجارب النازية على أسرى الحرب أبّان الحرب العالمية الثانية، والتجارب الأميركية على المرضى من أصول أفريقية مصابين بمرض السفلس، وحرمان بعضهم من العلاج الناجع، “البنسلين!”، بالرغم من اكتشافه في ذلك الوقت. وذلك ما حدا بالعالم إلى اعتماد ما سمي مبادئ “نورمبيرغ”، التي أسست للمبادئ الرئيسة التي يفترض أن تضبط أخلاقيات التجارب الطبية. وتبعها “إعلان هلسنكي” الذي يعتبر الوثيقة الأهم فيما يختص بأخلاقيات الأبحاث.
إذا كان هذا يحدث في دول ومؤسسات تتمتع بقدر كبير من التقاليد البحثية العريقة، وتخضع لقوانين صارمة تضبط الممارسات البحثية، فما بالك بدول العالم الآخر؛ حيث موضوع حقوق الإنسان برمته يعتبر ترفا، ولم يأخذ وضعه الطبيعي على أجنداتها كأولوية؟!
لا بد لنا، دولا ومؤسسات، من تأسيس حوكمة رشيدة تضمن نزاهة البحث العلمي، وتضبط مراحل البحث وممارسات الباحثين كافة، بما يشكل ضمانة حقيقية لحماية حقوق المرضى والأفراد، بأن يردع كل من تسول له نفسه التلاعب بصحة وأرواح البشر.