هل هناك مريض صعب؟
11/12/2016
دراسة لافتة تعثرت بها مؤخراً، صادرة عن مركز “إيراسمس” الطبي في روتردام، تقول: إن احتمالية الخطأ في تشخيص المريض صاحب الطباع الصعبة، أعلى بنسبة ملحوظة من تلك الاحتمالية عند المرضى العاديين.
وتؤكد هذه الدراسة شعورا عاما بين الأطباء، مفاده أن الأمور عادة ما تتعثر مع المرضى “النكدين”. إذ حاولت الدراسة المقارنة بين دقة تشخيص الأطباء للمرضى العنيفين أو أولئك الذين يبدون عدم الثقة بأطبائهم وغير الملتزمين بتعليمات الطبيب، مع دقة التشخيص في حالة المرضى العاديين “المحايدين”. وتبين أن الخطأ عند الفئة الأولى أعلى بنسبة قد تصل إلى 40 %، رغم أن الأطباء يقضون الوقت نفسه مع كلتا الشريحتين.
وكان لافتاً أنه عندما تم سؤال الأطباء لاحقاً عما يتذكرونه من السيرة المرضية والأعراض السريرية لكلتا الشريحتين، أن طفت على السطح الصفات التي تعكس شخصية الشريحة الأولى الصعبة والعنيفة، وحلت مكان الأعراض الحقيقية لأمراضهم، ما يدل على أن هذه الصفات قد استأثرت باهتمام الأطباء على حساب الأعراض الحقيقية للمرضى وأدت إلى استنزاف ذاكرتهم. وهو ما يفسر ارتفاع نسبة الخطأ في التشخيص.
وهذا الاستنتاج تؤيده مشاهداتنا اليومية. إذ كثيراً ما تسأل أحد الزملاء عن مريض ما، فيكون جوابه الأول والسريع: “مريض صعب” أو “نكد” أو “عنيف”. وما ينطبق على المريض في الغرب ينسحب، بصورة أكثر انتشاراً ووضوحاً، على أهل المريض في بلادنا.
هذا وتشير دراسة أخرى إلى أن الأطباء الاكثر خبرة يمتلكون قدرة أكبر على استيعاب وتحييد هذا النوع من المرضى؛ بينما يكون الأطباء الشباب حساسين جدا تجاه ما يخدش كرامتهم أو يتعدى على عملهم.
فالطبيب قبل كل شيء إنسان وليس آلة، ولا يمكنه بحال من الأحوال التخلي عن صفاته البشرية وعواطفه وانفعالاته عند دخوله مكتبه أو عيادته، والثقة والاحترام المتبادلين أساس العلاقة الصحيحة بين الطبيب ومريضه، ومن دونهما ستتأثر العملية العلاجية برمتها.
هناك الكثير من الوسائل التي قد تساعد الطبيب على الحد من تأثره بتصرفات بعض المرضى وأهلهم، منها التدرب على احتواء المرضى “الصعبين”. ومنها استخدام “قائمة تفقد” (Check List) تساعده في التركيز على المفيد في حالة المريض. ولكنها تبقى وسائل قاصرة ما لم يصل المريض إلى قناعة بأن الطبيب والمستشفى في صفه وإلى جانبه في مواجهة عدو مشترك، هو المرض.
بقي أن أذكر هنا أن القيمة المضافة لأي صاحب رسالة أو مهنة، تكمن في مقدرته على التعامل مع التحديات الصعبة، وإلا لما كان هناك تمايز بين الناس.