هموم إدارية: التاريخ الوظيفي للمرشح
11/03/2015
قد يدهشك اتصال هاتفي يصلك من بلد متقدم، تسألك من خلاله مؤسسة ما عن موظف عمل معك قبل سنوات طويلة. فتسأل أسئلة محددة عن حقيقة عمل هذا الزميل معك، ومدى التزامه ومهنيته، وطريقة تركه العمل، وغير ذلك. وتعجب كيف يمكن أن تكون شهادة مؤسسة في العالم الثالث في موظف ما، على قدر من الأهمية لمؤسسات تنتمي إلى العالم المتحضر! ولا تملك إلا أن تحترم هذه الجدية والدقة والاحتراف.
في الوقت ذاته، قد تجد أن مؤسسات لا تبعد عنك إلا دقائق معدودة، ولك فيها معارف وأصدقاء، ثم لا تكلف نفسها عناء السؤال والاستقصاء.
التدقيق في السيرة الوظيفية للمتقدم للوظيفة تتطلب الاستقصاء عن المؤسسات والمواقع كافة التي عمل فيها، وربما المعاهد التي تعلم فيها، وتوجيه أسئلة واستبانات موثقة لكل جهة عمل لديها الشخص، للتأكد من حقيقة عمله في تلك الجهات، والأعمال التي كان يؤديها، والإنجازات والمخالفات، وغير ذلك من الأمور التي تختلف بحسب طبيعة المؤسسة والوظيفة المقصودة. ومن نافلة القول أن هذه الاستفسارات تنحصر بحاجة الوظيفة، وبضوابط القانون والعرف، وأن لا يستكمل ملف التوظيف إلا بالحصول على هذه المعلومات من مصادرها الصحيحة. ومن غير المقبول بعد كل التقدم الإداري وانتشار المعرفة وتقدم المعايير، أن تظل مؤسسات كبيرة، بل وحتى صغيرة، تغض الطرف عن هذا الإجراء؛ بسبب التسرع، أو الحاجة إلى ملء الشاغر، ناهيك عن المحسوبيات والعلاقات والأبواب الخلفية.
نعيش في الأردن في مجتمع يعتمد بدرجة كبيرة على الخدمات الطبية والهندسية والمالية الاحترافية في بناء اقتصاده وتشغيل سكانه. وهذه تعتمد على كفاءة وانضباط العنصر البشري بشكل أساسي، ما يجعل الالتزام بهذه الإجراءات على درجه عالية من الأهمية.
إن عدم اتباع سياسة حديثة ومعيارية -وإن كانت بسيطة- ستنتج عنه بيئة عمل غير منضبطة، خصوصا مع عجز القوانين أو عدم مناسبتها لمعالجة الجوانب المهنية كافة التي تهم رب العمل وإدارة الموارد البشرية والأقسام المعنية داخل المؤسسة. وربما نجد من المؤسسات من لا يحفل حتى بالسجل القضائي المهني للمتقدم للعمل، فضلا عن تقييم تاريخه الوظيفي والمهني.
إن تطوير بيئة وثقافة في قطاعات الأعمال وفي عموم المجتمع، تهتمان بالتاريخ الوظيفي عند التشغيل وعند تقديمه لمن يطلبه، هو أفضل الوسائل لحماية العمل وأصحاب العمل من المخالفات العمالية للوائح والعقود والمعايير المهنية، وهو أفضل من الشروط الجزائية، والعقود القاسية التي تحتاج إلى متابعات قضائية مرهقة ومكلفة وغير مرغوبة في كثير من الأحيان. وهي كذلك تكافئ الموظف الملتزم، وتدفع إلى تحسين السلوك والالتزام المؤسسي في بيئة العمل. إن معرفة تفاصيل السيرة العملية للمتقدمين للوظيفة لا تعني حرمان المخالفين من العمل نهائيا، وإنما تعني التقليل من المخالفات المهنية، ومعرفة المخالفات السابقة التي يمكن أحيانا التغاضي عنها مع فهم أسبابها حتى لا تكرر. وهي كذلك لا تنتهك الخصوصيات، إذ إنها تقتصر على الأمور التي تحتاجها المؤسسة ضمن ضوابط أخلاقية وأعراف، يمكن أن تنظم بقوانين تفصيلية.