هموم إدارية : الموازنة
10/09/2014
للارتقاء في السُلّم الإداري بريق وجاذبية ومزايا لا تخفى على أحد. ففيه توسّع في النفوذ والسلطة، وامتداد للصلاحيات، وغالبا زيادة في الدّخل، وغير ذلك مما يجعل الناس بشكل عام يسعون إليه، ويتنافسون من أجله. لكن للإدارة أيضا همومها ومنغصاتها ومصاعبها. وسنحاول الحديث عن بعض منها على غير ترتيب لها وفق الأهمية أو غير ذلك.توفير الموارد المطلوبة هو واحد من هموم الإداري.
فتطوير أي مؤسسة والنهوض بها، يتطلبان توفر موارد مالية وبشرية كافية. وحيث إن الثانية تعتمد على الأولى بدرجة كبيرة، فإن حديثنا هنا سينصب على الموارد المالية.
فمن المعلوم أن تحقيق الأهداف وتفعيل البرامج وتنفيذ المشروعات، يتطلّب غطاء مالياً كافياً ودائماً. وكثيراً ما يجد المدير نفسه مقيّداً، وعاجزاً عن تنفيذ طموحاته في التطوير وتحقيق التنافس المتسع في أبعاده وأهدافه، بسبب قلة ذات اليد.
فالموارد المالية في العادة محدودة قياسا بالطموحات وربما الالتزامات. وقد يؤدي عدم اختيار أو ابتكار حلول ناجعة، إلى تقييد الإداري في الارتقاء بدائرته والخدمات التي تقدمها، مما يؤدي إلى التقاعس والخمول وعدم المواكبة، وبالتالي التخلف عن الركب المهني الآخذ في التقدم والاستمرار.
ففي نهاية كل عام مالي، يتحول المدير وطاقمه إلى ماليين يجمعون ويطرحون الأرقام، ويجرون العمليات الحسابية، محاولين موازنتها بما يشبه لعبة “السودوكو”؛ ومحاولين أيضا استنهاض مفاتيح الموارد المالية لبسط ذات اليمين. وكثيرا ما تتعثر الأمور.
وهنا، لا بد من قرارات قد تكون صعبة أحيانا، ما يعني تأجيل مشاريع وإغضاب إدارات وأقسام وأشخاص.
وهو ما لا يتمناه المسؤول في حقيقة الأمر، لكن في النهاية لا بد من أن تواصل المؤسسة مسيرتها وأن تضحي من أجل الأهم والضروري والعاجل، وأن تحيل ما هو دون ذلك من طموحات إلى مستقبل تأمل أن لا يطول انتظاره.
وحين تكون الموارد محدودة، فإنه لا بد من تحديد الأولويات بدقة وعدالة، مع الأخذ بعين الاعتبار توازنات كثيرة تختلف باختلاف المؤسسة.وهنا قد يسعف التخطيط الاستراتيجي الحديث في التغلب على هذه المعضلة، وهذا مبحث آخر ليس موضعه هنا. لكن الخطة الاستراتيجية ومخرجاتها تحتاج إلى موازنة كافية، خصوصا إذا كانت النوايا تقتضي أن يكون فيها شيء من الطموح والتفاؤل.
كما أن تحقيق التفكير والتخطيط الاستراتيجيين في المؤسسة وديمومتهما يحتاجان بدورهما إلى الموارد المناسبة. ومشكلة تدبر أمر الموازنة لا تتوقف على بداية العام؛ فالموازنة يجب أن تسمح ببعض المرونة لمعالجة مستجدات الظروف، وبما تسمح به القوانين واللوائح.
وهنا يجد المدير نفسه بحاجة إلى مراجعة موازنة المؤسسة باستمرار في ضوء المستجدات والخطط الموضوعة، ولاسيما فيما يتعلق بتقدير الإيرادات، والتي كثيراً ما تحمل مفاجآت مفرحة أو محزنة، وفي كلتا الحالتين يجب أن ينعكس ذلك على الموازنة، وبالتالي لا بد من مراجعة القرارات المالية والإدارية مرة أخرى.
ومن المدراء من لا يحب لعبة الأرقام والأولويات هذه، لكنها من الأمور التي لا يمكن تفاديها. إذ إن الموازنة هي التعبير بلغة الأرقام عن الخطط؛ فلا مناص من بيانها وهضمها والتمكن من شرحها ببلاغة، والدفاع عنها بثبات أمام من هم أعلى رتبة في التسلسل الإداري للمؤسسة.