واحد من أربعة
أكتوبر 26, 2018
أحيا العالم في العاشر من شهر أكتوبر اليوم العالمي للصحة النفسية، وهي المشكلة المسكوت عنها في معظم دول العالم وخاصة الفقيرة منها حيث تعتبر أحد أكثر شؤون الصحة اهمالا وذلك بسبب قلة الوعي بالعبء الذي ترتبه المشاكل النفسية على الافراد والمجتمعات كما ساهم الاعتقاد الخاطئ بعدم وجود ما يمكن القيام به لمواجهة هذه المشكلة في تفاقمها, ناهيك عن الوصمة التي ترتبط بالمشاكل النفسية والتي تشكل عقبة في طريق النهوض بالرعاية النفسية وقد تؤدي إلى التمييز ضد المرضى والذي يصل إلى انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.
تقدّر منظمة الصحة العالمية أن عشر سكان العالم يعانون من مشاكل نفسية وان واحدا من كل أربعة اشخاص سيصاب بأحد أنواع الاعتلال النفسي أو العصبي خلال حياته , كما تقدر الدراسات أن أكثر من مليار شخص في العالم مصابون بأحد هذه الأمراض بما فيها حوالي 300 مليون شخص يعانون من الاكتئاب، و50 مليونا من الخرف و 60 مليونا من الاضطراب ثنائي القطب, ويزداد انتشار هذه الأمراض في الدول التي تعاني من الحروب والتشريد والفقر والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية والأمل بمستقبل أفضل.
كما ذهبت الدورية الطبية المشهورة ” the Lancet” إلى أن الأمراض النفسية سوف تكلف العالم حوالي 16 تريليون دولار حتى العام 2030، بما فيها الكلفة المباشرة للرعاية الصحية وغير المباشرة على الاقتصاد بسبب العجز الذي ينتهي اليه الكثير من الافراد المصابين بهذه الأمراض وسنوات العمر المفقودة جراء الوفاة المبكرة لهؤلاء المرضى حيث تقدر الدراسات انهم يعيشون عشرين سنة اقل من نظرائهم.
لقد أدى عدم تفهم الناس للمشاكل النفسية وعدم جاذبيتها للاهتمام من قبل صانعي السياسات إلى ندرة الاستثمار فيها رغم العائد الكبير الذي يجنيه الاقتصاد جراء الاستثمار في الرعاية النفسية حيث يحصل الاقتصاد على عشرة دولارات مقابل كل دولار ينفق لكن هذا لم يقنع الدول النامية في تخصيص الأموال الكافية للنهوض بهذه الرعاية حيث ان هذه الدول تنفق اقل من 2 % من ميزانياتها الصحية على الاستثمار في الصحة النفسية.
“صار الوقت نحكي ” هذا هو الشعار الذي رفعه الأشقاء في لبنان لدفع الناس للكلام عن هذه الامراض بعيدا عن الاحكام المسبقة والخوف من الوصمة الاجتماعية، فهذه الامراض والاعتلالات يمكن التعامل معها اذا ما اكتشفت مبكرا وتتفاقم بالسكوت عنها.
لا بد لنا في الأردن من دمج برامج الصحة النفسية ضمن الرعاية الصحية الاولية باعتبارها حقا من حقوق الإنسان والعمل على تدريب الكفاءات التي بإمكانها التعامل معها والكشف عن أعراضها المبكرة مما يمكن المختصين من استخدام التدخلات الدوائية والنفسية والاجتماعية المستندة الى الادلة العلمية والتي ثبتت فعاليتها , فالرعاية الصحية الشاملة للاعتلالات النفسية تتطلب وجود انظمة رعاية صحية واجتماعية متناسقة وفرق عمل مدربة تدريبا جيدا.
لا تؤشر الأمراض النفسية إلى الفشل على المستوى الشخصي وانما هي نتاج فشل النظام الصحي بل والإنسانية في التعامل معها فالصحة النفسية مسؤولية الجميع بدءا بالأشخاص الذين يعانون منها وأسرهم إلى مقدمي الخدمة وصانعي السياسات والباحثين.