وصفة فيرغسون

19/11/2014

لم تشهد الكرة الإنجليزية مديراً حقق النجاح والشهرة، كما حققهما المدير السابق لفريق مانشستر يونايتد، السير أليكس فيرغسون. ففي الوقت الذي تحولت فيه الرياضة، وكرة القدم بشكل خاص، من مجرد لعبة إلى صناعة، تتوفر فيها كل المقومات والعناصر التجارية، أصبح دور المدير يتعدى إدارة المباراة إلى إدارة الفريق، أو حتى النادي.

من هنا جاءت فكرة البروفسور في جامعة هارفارد أنيتا ألبيرس، بدراسة تجربة السير فيرغسون، إمكانية الاستفادة منها وتعميمها على الكثير من المجالات خارج مضمار الرياضة. وقد قامت ألبيرس بنشر ما توصلت اليه في مجلة الأعمال الشهيرة “Harvard Business Review”.

ترى ألبيرس أن أحد أهم مقومات نجاح فيرغسون هو بعد النظر، والتخطيط طويل الأمد، وعدم الانصراف إلى “سلق” الإنجازات، على نحو ما يفعل معظم أقرانه. إذ كان أول ما بدأ به بعد تسلمه مهمته في النادي، إنشاء مدرستين للواعدين من الصغار؛ بالرغم من انتقاد الكثيرين له، وجزمهم بأنه لن يحقق انتصارات بهؤلاء الصغار. إلا أن هؤلاء الفتية ردوا له الجميل وشكّلوا الرافعة الحقيقية التي بنى عليها الفريق إنجازاته لسنوات طويلة.

لقد كانت فلسفة السير فيرغسون تدور حول أهمية بناء هؤلاء الصغار بما يتعدى تسليحهم بالمهارات الكروية الضرورية، إلى إعادة تشكيل شخصياتهم ليصبحوا أشخاصا أفضل، وترسيخ ثقافة الفوز والولاء للفريق لديهم. وهو أمر قلما نجده لدى اللاعبين الذين ينضمون للفريق في أعمار أكبر.

النقطة الثانية التي أولاها السير فيرغسون أهمية قصوى، هي اعتبار بناء الفريق عملية مستمرة. إذ حتى في قمة انتصارات الفريق، عمل على دراسة كافة عناصر ونقاط القوة والضعف فيه، كما عمل على التبديل والإحلال بما يمد الفريق بروح جديدة تسد الخلل وتمنع الركون والكسل؛ فلم تستوقفه اللحظة الراهنة، وإنما كان نظره مصوبا دوما نحو المستقبل.

كما إنه حاول دائما الموازنة بين الخبرة والشباب، ولم يسمح يوماً لأي من العنصرين بالطغيان على الآخر، حتى وإن كان ذلك على حساب عواطفه وعلاقته بمخضرمي الفريق الذين لم يتردد باستبعادهم ما دام ذلك يصبّ في مصلحة الفريق، ما منح اللاعبين الصغار الأمل بأن دورهم قادم لإثبات أنفسهم.

لقد زرع السير فيرغسون في لاعبيه ثقافة الانتصار وعدم الاستسلام؛ فكان يتصيد من يسميهم “Bad Losers” من اللاعبين الموهوبين الذين لم يستطع الآخرون استثمار مواهبهم، وذلك نتيجة الفشل في فهم نفسيات هؤلاء اللاعبين وتوظيفها على الوجه الأكمل. ومن ثم، كان يقوم بجلبهم الى الفريق، ثم يضعهم على المحك ليُخرج منهم أفضل ما عندهم لمصلحة الفريق.

وقد استطاع أن يشحذ روح التنافس في لاعبيه. فلكي يضمن أي منهم موطئ قدم له في تشكيلة الفريق، كان لا بد له أن يصل إلى أقصى درجات الجهوزية البدنية والذهنية.

إن التعامل مع النجوم هو أحد أكبر التحديات التي تواجه المدير؛ سواء كان مديراً لفريق أو مؤسسة. فهؤلاء غالباً ما يغزوهم الغرور، وتُعميهم الأضواء، ما يجعل التعامل معهم عملية شاقة. يقول فيرغسون في هذا السياق: إنه إذا جاء اليوم الذي يسيطر فيه النجوم على الفريق وأسلوب اللعبة، فإن تلك هي نهاية الفريق.

لم يتردد السير فيرغسون في التعامل بمنتهى الحزم إذا ما حاول أحد النجوم تحدي سلطته، مهما كانت قيمة هذا النجم للفريق؛ فهو يعرف أن الثمرة الفاسدة لن تلبث أن تفسد الصندوق كله ما لم يتعامل معها بحزم. وقد ركز على بناء الفريق وليس الأفراد، إذ حاول ترسيخ مفهوم العائلة المترابطة بين لاعبيه، معززاً مفهوم الكل للفريق والفريق للكل، ولم يسمح أن يتعامل أحد أفراد الفريق مع زملائه بفوقية واستعلاء.

كما أنه كان مبدعاً في فن التواصل، وطرق توصيل المعلومة للمعنيين، من دون تجريح أو محاباة. فإذا كانت هناك ملاحظة سلبية حول أحد اللاعبين، فإنه كان يوصلها بخصوصية، مع محاولة تغليفها بجو من الإيجابية كي لا يحبط اللاعب.

يحتاج المدير أحياناً أن ينظر الى مؤسسته أو فريقه من الخارج، لعله يكشف بعض العيوب الخافية عنه عندما ينظر من الداخل. وقد عمل السير فيرغسون على فترات على تسليم دفة قيادة الفريق لمساعديه، والاكتفاء بالملاحظة، ليكون عيناً تنقد الفريق من الخارج.

هذه بعض عناصر المعادلة التي عمل من خلالها أحد أهم مديري الفرق في تاريخ كرة القدم، وهي برأيي قابلة للتطبيق في كافة الشركات والمؤسسات؛ فالتحديات متشابهة وكذلك الحلول.