ومن الطب ما قتل

11/12/2016
كم كانت صادمة لمعظم الناس، النتيجة التي خلص إليها البحث الذي نشرته، الأسبوع الماضي، “المجلة الطبية البريطانية” ذائعة الصيت. إذ خلص إلى أن الأخطاء الطبية مسؤولة عن 250 ألف حالة وفاة سنويا في الولايات المتحدة؛ محتلة الترتيب الثالث على سلم مسببات الوفاة، ومتأخرة فقط عن أمراض القلب والسرطان.

وتشمل هذه الأخطاء مضاعفات العمليات الجراحية، والأخطاء في وصف وإعطاء الأدوية وجرعاتها، والخطأ في التشخيص. ما حدا بالبعض إلى المطالبة بالاعتراف بالأخطاء الطبية كمرض يتم إدراجه ضمن قائمة الأمراض المتسببة بالوفاة.

ترى، ما الذي يحوّل أماكن يلجأ الناس إليها طلبا للاستشفاء، إلى “أماكن قتل” مرخصة؟! وما الذي يحوّل أشخاصا يأتمنهم الناس على أغلى ما يملكون، إلى “قتلة مفترضين” ولو بالخطأ؟! وهل بالإمكان تلافي هذه الأخطاء أو التقليل من نسبة حدوثها؟

قطعا، لا يوجد طبيب يتقصد إلحاق الضرر بمريضه؛ إذا ما استثنينا تلك الحالات الفردية لأطباء ارتكبوا أفعالا جرمية. فالطبيب ينطلق في عمله من القاعدة المشهورة “لا ضرر ولا ضرار”. فما الذي يجعل هذه الأخطاء الطبية على هذه الدرجة من الخطورة والانتشار.

توصف العمليات العلاجية بأنها شديدة التعقيد، وذلك لخصوصية تعاملها مع النفس البشرية، ولتعدد وتشعب المراحل التي تمر فيها، كما الضغط النفسي الذي يطغى على الجو العام الذي يغلف هذه العمليات، ما يجعل العملية برمتها قابلة للعطب في حال حدوث خلل ما في أي من مفاصلها الأساسية. فالعمليات الطبية يحكمها نظام معقد ومترابط، يفترض به أن يضمن سلامتها وسلاستها. لكن هذا النظام قد يتضمن في بنيته تشوهات تسمح بحدوث الأخطاء الطبية، وتشل القدرة على تفاديها.

لقد أُشبع موضوع الأخطاء الطبية بحثا، للوصول إلى أصل العلة. وأفضل ما وصل إليه خبراء سلامة العمليات هو أن معظم أسباب هذه الأخطاء تندرج تحت أخطاء بنيوية تصيب لب النظام، وليست مجرد أخطاء فردية، مع عدم إغفال أهمية العامل البشري. فالأسهل لنا عند تعاملنا مع خطأ طبي ما أن نبحث عن كبش فداء نقدمه قربانا نشبع من خلاله غريزة الانتقام لدينا، كافين أنفسنا مؤونة البحث عن موطن العلة الحقيقي لمنع تكرارها. وبذلك نكون كمن يعالج العرض دون المرض المسبب له.

البشر يخطئون، ولن يتوقفوا عن ارتكاب الخطأ. لذا، يترتب علينا إعادة تشكيل الأنظمة الطبية بحيث تلتقط هذه الأخطاء وتعالجها قبل وصولها إلى المريض. فالأخطاء الطبية، كما الأمراض، تنجم عن أسباب متعددة ومتشعبة ومتشابكة. ومن السذاجة بمكان ردها إلى عامل واحد، وغض النظر عن الخلل في الآلية التي سمحت لهذا الخطأ بأن يمر.

كما أن العلاج السليم يبدأ بالاعتراف بالمرض، فإن حل هذه المعضلة يبدأ بالاعتراف بها، ومعرفة حجمها الحقيقي من دون تهويل ولا تقليل.