فيروس يودي بالذاكرة!
رغم مرور حوالي العامين على الإعلان عن أول إصابة بفيروس (كوفيد 19) إلا أنّ هذا الفيروس المراوغ ما يزال يُفاجئنا بالجديد كل يوم. فمؤخراً نُشرت دراسة في بحر الأسبوع الماضي وقد لفتت نتائجها نظري، والتي تتحدث عن تأثير الإصابة بكورونا على ذاكرة الأشخاص الذين أصيبوا به وتعافوا منه، حيث خلص الباحثون الى أنّ حوالي ربع هؤلاء الأشخاص يعانون من ضعف في الذاكرة سواءً من حيث قدرتها على ترميز المعلومات أو تخزينها أو سرعة استدعائها عند الحاجة، وهذا ما أدى بهؤلاء الأشخاص إلى مواجهة صعوبات جمّة في مزاولة حياتهم اليومية، وفي تنفيذ أعمالهم، خاصة أولئك الذين تتطلب طبيعة أعمالهم ذاكرة متقدة، وسرعة بديهة، ومقدرة على اتخاذ قرارات مُهمة. وقد لاحظ الباحثون أن قدرة هؤلاء الأشخاص على تذكّر الكلمات أو القيام بالعمليات الحسابية غير المعقدة قد تأثرت سلبياً بفعل الإصابة بالفيروس.
وتتناسب شدّة هذه الأعراض طرديا مع شدة المرض، فكانت أشدّ وضوحاً لدى الأشخاص الذين لزمهم إدخال الى المستشفيات أو وحدات العناية الحثيثة لتلقي الرعاية الصحية بسبب حساسية وضعهم الصحي، ومع ذلك فإنّ الأشخاص من ذوي الإصابة الخفيفة أيضاً لم يسلموا من هذه الأعراض.
حقيقة لقد بدأ العلماء يلاحظون تأثير الإصابة بالفيروس على الدماغ مُبكراً، وعزوا هذا الأمر إما الى التأثير المُباشر للفيروس على خلايا الدماغ أو غير المباشر نتيجة المركبات الكيميائية التي يطلقها الجسم كرد فعل عليه أو نتيجة نقص تغذية الدماغ بالأُكسجين أو حتى نتيجة حدوث الجلطات الدماغية المُختلفة. وأشارت الدراسات إلى أنه نتجت عن هذه الاصابات تأثيرات مختلفة تراوحت بين تأثيرات شديدة أدت الى عطل دائم في الجزء المصاب، وأخرى طويل الأمد مثل قلة التركيز، أو الشعور بالتوتر والاكتئاب وضعف الذاكرة حيث شاع مصطلح “ ضبابية الدماغ “ أو التفكير الضبابي وهي الحالة الذهنية التي وصفها وخبرها معظم المرضى ممن أصيبوا بالفيروس وما يزالون يعانون منها بعد الشفاء.
وإذا ما أخذنا في الحسبان سعة انتشار الفيروس وإصابة الملايين من البشر به، فلنا أن نتخيّل حجم التبعات النفسيّة والذهنيّة والسلوكيّة التي سيخلّفها، فهو لم يكتف بحصته في إنهاك أجساد الضحايا، بل وأبى إلا أن يتسرب الى ذاكرتهم ليتلاعب بها ويلفها بالضباب.
وبرأيي الشخصي أعتقد بأنه ما يزال من المبكر الحكم على مدى ديمومة مثل هذه الأعراض، والحكم فيما اذا كانت طارئة أم مقيمة! فالعامل الزمني والبحث العلمي وحدهما القادران على الاجابة عن هذا السّؤال، والى أن يتم ذلك يجدر بالمختصين وصانعي القرار أن يكونوا مستعدين في الإعداد والتجهيز لمواجهة طويلة مع مخلفات هذه الجائحة وآثارها التي لم يسلم منها حتى منْ نجوا من براثنها.
لاشك عندي أن هذه الجائحة ستغادر هذا العالم كما غادرته من سبقها من الجوائح، لكن الندوب التي ستتركها في أجساد وفي أذهان البشر ستبقى شاهدة على فترة عصيبة عاشتها البشرية.