هموم إدارية : ثقافة المظلومية
03/08/2014
من المشاكل التي تواجه مختلف المؤسسات حول العالم، صعوبة الاحتفاظ بالعاملين لفترات طويلة، في ظل التنافس المحموم الذي تشهده سوق العمل لاستقطاب الكفاءات.ولست هنا بصدد تحليل الأسباب التي تقف خلف مغادرة الموظفين أماكن عملهم؛ فهذا الموضوع أُشبع بحثا من قبل المراكز البحثية المختلفة.
فالعلاقة بين الموظف ومكان العمل هي علاقة تعاقدية، تحقق مصلحة الطرفين. لكن هذه العلاقة ليست ثابتة؛ فالمنحنى الذي يرسم الفائدة المتحققة لأي من الطرفين هو منحنىً متغير باستمرار. إذ إن الموظف تكون فائدته القصوى في السنوات الأولى من العمل، حيث يكتسب الخبرات اللازمة لهذا العمل. ثم يبدأ هذا المنحنى بالاستواء.في حين يبدأ منحنى استفادة المؤسسة بالتصاعد التدريجي بعد انقضاء الفترة الأولى؛ بعد أن يكون الموظف قد اكتسب الخبرة اللازمة، ووصل درجة الاحترافية في العمل. وهذه هي الفترة التي يبدأ فيها الموظف بتلقي العروض للانتقال الى مكان آخر، يحقق له نفعاً مادياً أو معنوياً أو كليهما.
إلى هنا فإن الموضوع لا يخرج عن الطبيعة البشرية الباحثة دوماً عن الأفضل، ولا عن سُنّة الحياة في التدافع بين الناس والتنافس في تيار الحياة المتدفق الهادر، في تسابق وزحام إلى الغايات المبتغاة.لكن الظاهرة التي أود التطرق إليها هنا، وقد تكون خاصة بمنطقتنا، هي إصرار الكثير من الموظفين المغادرين لأماكن عملهم على أن يجعلوا من هذه المغادرة مناسبة للانتقام من المؤسسة التي طالما احتضنتهم، وربطتهم بها علاقة طوعية؛ إذ يجد موظفون مغادرون في هذه المناسبة فرصة مواتية لإظهار عقدة المظلومية، ومحاولة تقمص دور الضحية، ما قد يسبب بعض البلبلة المؤقتة للمؤسسة.
فالانتقال من مكان إلى آخر ليس قراراً سهلاً، وتلفّه الضبابية من حيث المستقبل والمآل. لذلك، ينزع الإنسان إلى الدفاع الواعي أو اللاواعي عن نفسه وقراره، محاولا إقناع نفسه ومن هم حوله بأن خروجه ليس من أجل واقع أفضل أو مغنم مادي، وإنما هروب من آخر لا يمكن الاستمرار فيه.ويجد هذا النوع من البلبلة صدى لدى البعض ممن يجدون فيها فرصة سانحة إما لتسديد حساب قديم مع إداراتهم، أو لتحقيق مآرب شخصية مستغلين الجو العام المسموم الذي يرافق هذه المغادرة.
خروج أي شخص من المؤسسة يشكل بلا شك خسارة لهذه المؤسسة. لكنه أمر لا مندوحة عنه في بعض الأحيان، ويجب التعامل معه كسُنّة من سنن الحياة؛ إذ سيأتي علينا جميعاً ذلك اليوم الذي نغادر فيه مواقعنا، ونخلف المحطات التي طالما ألفناها مع القطار الذي نعتقد أنه سيوصلنا الى الوجهة التي نريد، إلى أن نصل في نهاية المطاف إلى المحطة التي لا محطة بعدها.بقي أن أذكّر هنا بوصية أجدادنا؛ بأن لا نلقي الحجارة في البئر التي شربنا منها يوماً. لكن للأسف، فإن آبارنا مليئة بالحجارة!