هموم إدارية : الواسطة

23/09/2014

التعامل مع الواسطة من أكبر الهموم والمشاغل اليومية للإداري، كما السياسي. وهي تزداد كلما اتسع نطاق الخدمات التي تقدمها المؤسسة التي يشارك في إدارتها المسؤول. فالهاتف يكاد لا يهدأ، والمكتب أيضا لا يخلو من زوار، وبلا مواعيد مسبقة أحيانا.

ورغم أن كثيرا من طلبات الوسطاء والشفعاء تنطلق من حاجة وضيق، وربما معاناة حقيقية، إلا أن الكثير منها أيضا لا يتوافق مع الأنظمة والتعليمات، أو حتى الإمكانات. فمعظمنا يهجو هذه الظاهرة ويعتبرها شكلا من أشكال الفساد، لكننا لن نجد غضاضة في اللجوء إليها كلما وجدنا فيها مصلحة شخصية.

ففي مجتمع تتعدد فيه قنوات التواصل، مثل مجتمعنا الأردني، لا يعدم صاحب الحاجة -في أغلب الأحيان- طريقا توصله إلى المسؤول الذي يرى أن حاجته عنده. وأقدر أن بين أي مسؤول في الإدارة وأي فرد من أفراد المجتمع -من أقصاه إلى أقصاه- طريقا لا تتجاوز حلقتين أو شخصين، ويتيح نموذج العلاقات الاجتماعية المتشعب والمعقد، كما الثقافة السائدة، إمكانية الوصول إلى هاتين الحلقتين في الكثير من الحالات، من دون الحاجة إلى أدوات البحث والتحليل ذات الصلة، والتي شاعت مع ثورة شبكات التواصل الاجتماعي.

ومما يفاقم من حجم مشكلة الواسطة، إصرار معظم الناس على التوجه إلى المسؤول الأعلى في المؤسسة دون غيره، مما يزيد من أعباء الإدارة، ويستهلك جهدا ووقتا ثمينين.

ورغم أن كثيرا من المواطنين أصبحوا اليوم أكثر إدراكا لضرورة الالتزام بالقوانين وتنفيذ التعليمات، ووجود سقوف للصلاحيات، لكنّ هناك آخرين ممن لا تقنعهم مثل هذه الأعذار، ولا يقبلون منطقا يقول بأن المسؤول يجب أن يكون أقل جرأة في مخالفة أبسط التعليمات والقواعد كلما ارتقى في سلم المسؤولية، لأنه يعلم أنه يضع الأنموذج للآخرين من حوله ومن هم دونه؛ فهو المعني الأول بوضع القواعد ومتابعة الالتزام بها في المؤسسة.

وأي شخص في موقع المسؤولية يدرك أن هناك واجبا يوميا للتعامل مع “الواسطة”. إذ إن معالجة سلبيات هذه الظاهرة يحتاج إلى عمل وطني؛ على مستويات متعددة ولمدى زمني طويل، ومن ثم فإن التعاطي مع هذه الظاهرة على المستوى المؤسسي والشخصي يصبح أمرا لازما. ولا أبالغ إذا ما قلت إن برامج الإعداد والتدريب القيادية في المؤسسة يجب أن تحتوي على مادة خاصة بأساليب ومهارات التعامل مع الواسطة؛ فهذه مهارات ثمينة؛ تسعف المسؤول في مواقف كثيرة، وتحفظ للمؤسسة نظامها.