هموم إدارية: قضية رأي عام
17/12/2014
تُرى، هل يمكن للمدير التكهن بالوقت الذي قد يختاره الرأي العام ليركز عيونه على المؤسسة التي يديرها، أو يشارك في إدارتها؟ وما الذي يحفز أو يستفز الجمهور لكي يخوض في شأن مؤسسة ما، مع كثرة ما يشغل الناس، فيثير اهتمامهم ويبهرهم؟
مما لا شك فيه أن من الصعب التنبؤ بمثل هذه الأمور أو حتى توقعها. فالتحكم بالرأي العام يستعصي كثيرا على الجهات المتخصصة والمموَّلة جيداً، فما بالك بباقي المؤسسات التي تفضل العمل في أجواء طبيعية وهادئة، بعيداً عن الإثارة والصخب! لكن هذا الأمر قد لا يتحقق دائما؛ إذ يجد الجمهور ما يثيره في جزئية ما من أعمال أيّ مؤسسة، فيسلط عليها أضواءه الساطعة، وأقلامه، ومفاتيح لوحاته، وتغريداته، وتعليقاته، فتصبح مادة لأحاديثه وحواراته في المجالس العامة، أو حتى على صفحات مختلف منابر الإعلام الاجتماعي.
ربما كان ما يشغل الرأي العام ويثير اهتمامه هو مركزية وأهمية تلك القضية على أجندة أعمال المؤسسة ومشاريعها الرئيسة التي تتولاها الإدارة وتتابعها، وتعرف منطلقاتها وتتصور مآلاتها. وقد تكون أيضا حادثة فردية، حصلت في مكان ما، من موظف ما، وتتفاجأ بها الإدارة كما يتفاجأ بها الرأي العام. ومع ذلك، تثير الاهتمام وتلفت الأنظار. والأمثلة على ذلك كثيرة.
وعندما يتحدث المسؤول للجمهور الخارجي من عملائه ومتابعيه، فهو لا يمثل نفسه، بل ينطق بلسان المؤسسة التي يتولى دفتها. وبالتالي، فإن عليه معرفة متى ينبغي عليه مخاطبة الرأي العام، ومتى يتوجب التوضيح أو الاعتذار أو تحمل مسؤولياته، وربما الاستقالة في أسوأ الأحوال. ثم، كيف يعالج أيا من تلك القرارات. لكن هذه الثقافة والخبرة ليستا راسختين خارج حدود العالم المتقدم، ودول المؤسسات الراسخة، والمجتمعات الحيوية. مع ذلك، فحتى في هذه الدول، لا يعدم المتصيدون المحترفون الوسيلة لإيجاد منافذ يستغلونها على نحو غير عادل، لتحقيق مآرب شخصية؛ إما على شكل تعويضات، أو إبراز أو إسقاط شخصيات أو جهات ما، أو تصفية حسابات قديمة.
فقد شهدت بدايات القرن الماضي تحولا جذريا في التحكم بالرأي العام ليتحول الى صناعة، أشار إليه المفكر الأميركي نعوم تشومسكي في كتابه “السيطرة على الإعلام”، وأرجع تاريخه إلى “لجنة كريل” التي استطاعت خلال ستة أشهر، ومن خلال الماكنة الإعلامية، تحويل مزاج الشعب الأميركي من شعب ينزع إلى الهدوء ويعارض الانخراط في الحرب العالمية الأولى، إلى شعب هستيري مهووس بالحرب.
إن التعامل مع الرأي العام -في أي مكان- ينبغي أن يكون دائما بتفهم واحترام، وبالتالي بشفافية ومسؤولية، وفي الوقت ذاته بدقة وما تيسر من حرفية. والأمر ليس سهلاً، خصوصاً عندما تندر الدراسات المتعلقة بالجمهور المستهدف؛ من حيث مزاجه العام وسيكولوجيته، أو عندما تكون صناعة الرأي العام في حالة تحول مستمرة ونمو متواصل، أو عند التغيرات الاجتماعية والسياسية العميقة.
الرأي العام حين يوجه اهتمامه إلى قضية أو إشاعة ما، يكون هذا الاهتمام مركزاً وأسئلته بسيطة، وليس لديه الوقت والاهتمام لكي يستمع إلى مجمل أعمال المؤسسة، ومدى فعالية سياستها ونجاح عملياتها بالإجمال، أو أن يطالع تفاصيل تقاريرها الإدارية أو الأرقام التي تصفُ أداءها؛ فأي جهد في هذا الجانب قد لا يكون مجديا وقت الأزمات.
رأينا في أحوال كثيرة أن مسؤولين قد يقعون ضحية أخطاء ارتكبها آخرون، وما ذاك إلا لأن الرأي العام شاء أن يلتفت في ظرف ما إلى حادثة ما حدثت ضمن حدود مسؤولية ذلك السيئ الحظ. فالرأي العام يكون أحيانا مثل التاريخ؛ قاسيا في أحكامه، يحكي من الحكاية بعض تفاصيلها، ويغفل تفاصيل أخرى قد تكون غاية في الأهمية.