حصاد العام
31/12/2014
نودع اليوم والعالم أجمع، وإلى غير عودة، عاما ميلاديا. وليزل من “التقويمات” الموضوعة على مكاتبنا وحواسيبنا، ومن مطالع خطاباتنا، كل ذكر للعام 2014، ويحل محله عام وليد، يعيش فينا ونعيش فيه ما كتب لنا وله.
ونرجو فيه أياما أكثر سعادة، تتحقق فيها الأمنيات وتزيد البركات، ويعم فيه الحق والعدل والسلام والازدهار.لكن في غمرة الاحتفالات الصاخبة استبشارا بعام لم يفض ببعض ما يخبئه لنا، يتحتم علينا، أفرادا ومؤسسات، أن نتوقف لنجيب عن سؤال مهم، فحواه: ما الذي أنجزناه في عامنا المنصرم، وما الذي أخفقنا فيه؟ وأيضا، أين نحن من إنجاز خططنا، وهل نسير في منحنى تصاعدي أم تنازلي؟ وأين نحن من المنافسين والأقران، محليا وإقليميا ودوليا؟ ومن المأمول أن يشمل ذلك مختلف أنشطتنا المهنية والبشرية.
يعلم القراء الأعزاء أن هناك طرقا علمية لتقييم الإنجاز وقياس الأداء، في مختلف مستويات العمل الإداري. وهناك مناهج وأدوات لربط الأداء بالاستراتيجيات والخطط.
كما تتوفر أيضا أدوات رقمية لعرض كل ذلك والإبحار في تفاصيله؛ بقدر ما يتوفر من بيانات، وبقدر ما يتم ربطها بالمؤشرات. لكن المراجعات والتقديرات لا تكون، في العادة، موضع إجماع لدى المعنيين والمهتمين، ولا ينتظر منها ذلك.
إلا أن هذه الحقيقة لا تشكل عذرا لعدم الاهتمام بعمليات المراجعة والتقييم. ولعل في تعدد الرؤى فائدة؛ إذ ربما أثار اختلاف التقييم حوارا نافعا بشأن الخطط التي تُراجع، إن لم يكن للعام ذاته، فلأعوام مقبلة.كما أنه كثيرا ما يُنظر إلى المراجعات التقييمية وقياس الأداء باستهانة، سواء داخل المؤسسة نفسها أو خارجها، ولأسباب مختلفة.
فمثلا، قد يتبرم كبار المهنيين بهذا النوع من العمل، وربما رأى كادر المؤسسة أو جزء منهم أن التقييم لم يضف كثيرا للتقييم الذاتي الذي قدموه.
فيما قد يرى الخارج في تقارير الأداء والمراجعات السنوية نوعا من التسويق والـ”بروباغاندا” الإعلامية. يمكن أن يوافق ذلك بعض الصواب، لكن يبقى قياس الأداء أداة مهمة ومفيدة، لا بديل عنها إلا أشكال أخرى أفضل منها.
وينبغي أن يتعود الجميع على توثيق إنجازاتهم وإخفاقاتهم، ووضعها على مشرحة التقييم؛ اذ ربما استفادت منه أجيال لاحقة تكون أكثر إيمانا بالتوثيق والتقييم والمراجعة، وأكثر تواضعا أيضا.ما سمعناه وقرأناه من تقييم لحصاد العام، على مدى السنوات الماضية، سواءً للمؤسسات أو الشركات أو القطاعات المهنية والاقتصادية، لم يكن يتجاوز في الأغلب التقارير الختامية المالية والإدارية. وحتى هذه ربما عُرضت “سلقا” على هيئات عامة تغالب النوم.
كذلك، لم نر، بشكل عام، جهدا كافيا من الكُتاب والنقاد والباحثين في إعداد دراسات لأعمال قطاع ما، أو مؤسسة ما، وبما يمكن أن يقدم تقييما لأعمال ذلك القطاع أو المؤسسة من زوايا متعددة.إن وجود إعلام متخصص، من شأنه أن يساعد كثيرا في تعزيز أو إنشاء ممارسات التقييم السنوي، بحكم ما اعتاد عليه الإعلام المتخصص من اهتمام بالتقييم، ونشر الاستطلاعات والدراسات، واستنهاض النقد في المواسم، ولاسيما في نهاية عام وبداية عام جديد.