“دكتور واتسون” في مستشفانا

07/01/2015
لم تكد تمضي سنتان على الضجة التي أثارها كمبيوتر “أي. بي. إم” (IBM) العملاق، والمسمى “دكتور واتسون”؛ عندما تمكن من هزيمة أعتى المنافسين في برنامج المسابقات الطبية الأميركية “Jeopardy”، حتى أخذت الشركة هذا المنتج إلى تطبيقات جديدة. وركزت اهتمامها، أولا، على استخدامه في المجال الطبي السريري، لتقدم دماغا صناعيا لمساعدة الأطباء. إذ مع التدفق الهائل للمعلومات الذي نشهده اليوم، لم يعد بإمكان ألمع الأطباء مواكبة كل جديد، وتخزين هذا الكم المتضاعف من المعلومات.

المبهر في هذا النظام ليس حجم المعلومات التي يستطيع تخزينها وتصنيفها، وإنما الطريقة التي يتعلم بها، ومن ثم استخدام كل ما يأتيه من معرفة ومعلومات غير منظمة في أنماط محددة، واستخدام ذكائه الصناعي وبنيته المعرفية (Cognitive Computing)، للخروج بأجوبة مفيدة لمساعدة الطبيب في تشخيص المرض وعلاجه.

ولبناء قدرته المعرفية في مجال الطب، قام “دكتور واتسون” بدراسة وتخزين ما يربو على مليوني صفحة، ضمنها المئات من الكتب المرجعية، بالإضافة الى أهم قاعدتين للبيانات الطبية (PubMed & Medline)، وعشرات الآلاف من ملفات المرضى الخاصة بمستشفى “ميمورِيال سلون كترنج”؛ أحد أهم شركاء “آي. بي. إم” في هذا المشروع. وهو قادر على استيعاب المزيد من المعرفة الإنسانية المتوفرة.

يبدأ هذا الكمبيوتر عمله بعد أن يقوم الطبيب بوصف الأعراض التي يعاني منها المريض؛ إذ يقوم “دكتور واتسون” باستخراج المعلومات الأساسية منها، ثم يبدأ التنقيب في التاريخ المرضي للمريض وعائلته، وخريطته الجينية، وما توافر لديه من معرفة وعلم، وصولاً إلى استخلاصه من ذلك كله التشخيص الأكثر مواءمة للحالة المرضية. ومن ثم، يقترح البرنامج العلاجي المناسب، المستند الى الأدلة العلمية.

فهذا النظام العملاق ليس مجرد مستودع ضخم للمعلومات، بل يقوم أيضا بتحليل هذه المعلومات وتقييمها، واستخراج المفيد منها. كما أنه خال من الكثير من العيوب التي قد تعتري البشر؛ من تحيز أو ثقة زائدة أو حتى غرور، وهي من أبرز العوامل التي تؤدي إلى وقوع الأخطاء الطبية.

وقد تم تجريب هذا البرنامج في مستشفى “ميمورِيال سلون كترنج” لتشخيص وعلاج سرطان الرئة. وكانت النتائج -بحسب القائمين على المشروع- تفوق المتوقع. كما تمت تجربته من قبل إحدى شركات التأمين، للتأكد من مدى ملاءمة الخطة العلاجية الموصوفة من قبل الأطباء للمرضى المؤمنين لديها. وتقوم مؤسسات طبية معتبرة في الغرب والشرق بتجربة هذا النظام.

إن إحد أهم الفوائد التي يمكن الحصول عليها باستخدام هذا البرنامج، تتمثل في القدرة على استحضار كمية هائلة من الخيارات والمعلومات خلال أعمال التشخيص والعلاج، وإجراء المقارنات، وبالتالي توحيد جودة ونوعية التشخيص والعلاج بين المستشفيات المعروفة، وتلك الأقل شهرة، وبالنتيجة ردم الهوة بين مختلف المؤسسات الطبية، من خلال توفير الخبرة البشرية المتراكمة لمن يطلبها ويدفع ثمنها.

إن دخول الذكاء الآلي على خط الطب هو حقيقة بارزة. لكنه لم يصل أو يقترب من مرحلة أن يكون بديلا عن الطبيب الإنسان. ورغم ذلك، يقدم من قبل صناعه ومروجيه كمساعد بالغ الذكاء والمعرفة للطبيب، من أجل زيادة الدقة في التشخيص، وتقليل الأخطاء، وبالتالي تحقيق راحة باله وجسده. وهذه الدعوة تحظى بعدد متزايد من المؤيدين.