تأشيرة دخول
20/05/2015
توجهت، قبل أيام، مع صديق لي، يحمل الجنسية الأميركية، إلى السفارة الهندية بعمان طلبا لتأشيرة زيارة. وكم كانت دهشتي عندما أخبرتنا الموظفة أن تأشيرتي ستجهّز بسرعة، وقبل أن تجهز تأشيرة زميلي، وأن الرسوم المترتبة عليها ستكون أقل.
ومصدر دهشتي أننا تعودنا على معاملة تفضيلية لحملة جنسيات دول العالم الأول في السفارات عموماً، والمطارات المختلفة؛ فلهم إجراءاتهم ومساربهم الخاصة التي لا ينبغي أن تتوفر لأحد غيرهم. وهذا ما دفعني إلى التساؤل عن سر هذه المعاملة في السفارة الهندية. فكان الجواب أن الهند تنطلق في تعاملها مع مواطني الدول الأخرى من مبدأ التعامل بالمثل. هنا قفزت إلى ذهني ردة فعل السلطات الهندية على حادثة إساءة معاملة أحد أعضاء بعثتها الدبلوماسية في نيويورك؛ إذ سارعت إلى سحب العديد من الامتيازات التي يتمتع بها موظفو السفارة الأميركية في دلهي، وإغلاق ناديهم، وسحب الحواجز الأمنية من أمام السفارة.
لم تنطلق السلطات الهندية في إجراءاتها هذه من ردود فعل انفعالية وشعبوية، ولا من مراهقة سياسية؛ وإنما من معرفة عميقة بأصول العلاقات الدولية، وأن احترام العالم للدول ومواطنيها ينبع من احترام هذه الدول لمواطنيها، ومدى ثقة المواطن بدولته ومؤسساتها. فاحترام الآخرين لك هو مرآة احترامك لنفسك؛ ومن يستمرئ الذل والعبودية في وطنه، لن يطلبهما خارجه.
ولا يمكن للدول تبنّي مبدأ المعاملة بالمثل ما لم تمتلك القوة، والقدرة على تنفيذه وتحمل تبعاته، خاصة في ظل وجود قوى عظمى، لا تقيم وزنا لخُلق أو قانون إلا قانون القوة. عندها يكون التعامل بالمثل ضمانة ضرورية لضبط العلاقات مع الآخر، وتحقيق المصالح العليا للدول، والتأسيس لعلاقة متوازنة ترتكز على مبدأ احترام السيادة وتمنع استقواء طرف على آخر.
لا يكون الشعور بالعزة والفخر بالانتماء لدولة أو قومية ما، بدروس نظرية في الانتماء، لا تلبث أن تتهاوى عند أول اختبار عملي؛ ولا بأغان ورموز وطنية تُستدعى في المناسبات، ولا تعبر عن شعور حقيقي بالإنتماء. وإنما يتحقق هذا الشعور بقناعة وإيمان داخليين بعظمة الدولة التي تنتمي إليها، وبوقوفها خلفك في الملمات. ولا يتحقق هذا الأمر إلا للدول التي امتلكت قرارها، مستندة إلى شرعية الإنجاز الحضاري، وممارسة ديمقراطية حقيقية وراسخة تضمن صون الكرامة الإنسانية، وتعزز مفهوم المواطنة المستندة إلى العدالة والمساواة.
تُحدّثنا كتب التاريخ أن كسرى أيقن بهزيمة الفرس حتى قبل أن تبدأ معركة القادسية، وذلك من خلال وقفة العز والأنفة التي قابله بها ربعي بن عامر؛ إذ عرف (كسرى) أنهم بصدد مقاتلة جيل جديد من العرب، نقله الإسلام “من جور الأديان إلى عدل الإسلام”، ومن التسول على عتبات الدول العظمى إلى فاتحين لحواضرها.
خرجت من السفارة الهندية بتأشيرة دخول، لكن الأهم من ذلك أني تعلمت درسا في الكرامة الوطنية.