هل الرضا علامة صحة؟

19/08/2015
أعرف العشرات من الأطباء المميزين في مجال اختصاصاتهم، لكنهم لم ينجحوا عندما قرروا خوض غمار العمل في القطاع الخاص. بينما العديد من زملائهم الذين ينقصونهم علماً وخبرةً، سجلوا نجاحات لافتة، وضمنوا لأنفسهم مواقع متقدمة في قطاع الرعاية الصحية.يعتمد مقدمو خدمة الرعاية الصحية والطبية، من مؤسسات وأطباء، على تكوين رأي عام إيجابي حول مدى رضى المرضى والمراجعين عن أدائهم. ففي سوق مزدحمة بالأسماء والألقاب، يؤدي المريض، ودرجة رضاه عن الطبيب أو المؤسسة، دوراً محوريا في درجة ولائه لهما، وبالتالي لعب دور المُسوّق المجاني لهما.

من هنا، وضعت العديد من الدول هذا العامل على رأس المؤشرات التي تعتمد عليها في تقييم أداء مقدمي الخدمة، وفي دفع الحوافز لهم. مما دفع بهذه المؤسسات إلى مراقبة هذا المؤشر باستمرار، ووضع الخطط التي تهدف إلى تحسينه؛ بل ذهب بعضها إلى الاستعانة بشركات متخصصة لمساعدتها في قياس وتحسين مستوى رضا المرضى. لكن الجودة والممارسة المستندة إلى الأدلة العلمية، ليسا وحدهما من يحدد مدى رضا المريض عن مقدم الخدمة، بل ما يحدث هو العكس في كثير من الأحيان. فقد خلصت دراسة لافتة أجريت في الولايات المتحدة الأميركية، من خلال مراجعة الآلاف من ملفات المرضى، إلى أن أكثر الناس رضى عن مقدمي الخدمة هم الأكثر دخولا للمستشفيات، والأكثر إنفاقا على أمور الصحة، بل والأكثر من حيث نسبة الوفاة. وهي ما تعتبر من الآثار الجانبية للتركيز غير المبرر على رضا المريض.

فمن أجل إرضاء المريض، يلجأ بعض الأطباء الى تنفيذ رغباته كافة، بما فيها تلك غير المبررة وغير المستندة إلى دليل علمي، من خلال إجراء فحوصات إضافية، ووصف أدوية غير ضرورية، وتجنب مناقشة الأمور التي قد تزعج المريض، حتى وإن كانت مناقشتها ضرورية لصحته؛ مثل التوقف عن التدخين وتعاطي الكحول، وإنقاص الوزن، والتساهل معه في موضوع الحمية الطبية، ومجاملته على حساب الحقيقة: بإعطائه آمالا كاذبة، وإخفاء بعض الحقائق حول وضعه الصحي. وبذلك، تحول هذا المؤشر المهم، من وسيلة للنهوض بجودة الرعاية الصحية، إلى غاية يسعى الجميع إلى تحقيقها، ولو على حساب الحقيقة.

من الأهمية بمكان أن يكون المريض راضيا عن طبيبه ومؤسسته. لكن هذا الرضا يجب أن يكون نابعا من جودة الخدمة التي يقدمها هؤلاء، وليس من كثرة المجاملات وحلاوة اللسان، أو حتى الخداع.