إنجازات في الاغتراب

23/09/2015
تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة، ومواقع التواصل الاجتماعي، بين الحين والآخر، بأخبار حول إنجازات فذة لأطفال وشباب وكهول مغتربين، يقيمون في الدول المتقدمة، وبوجه خاص في الولايات المتحدة. إذ تحظى إنجازاتهم باهتمام كبير من قبل المسؤولين في تلك البلاد.

وتتمثل هذه الإنجازات في أشكال متعددة؛ فقد يكون الإنجاز رياضياً أو أكاديميا، أو في مجالات الحياة الأخرى، سواء كانت علمية أم تجارية أم صناعية. وكل ذلك مما يشيع الغبطة، فتفرح له النفوس، وتحتفل به وسائل الإعلام بطريقتها الخاصة. وهذا أمر شائع، خصوصا في الدول قليلة الإسهام في البناء الحضاري الحديث.

الإعلام ينشر ويبث ما يصله من أخبار، وكثيرا ما يعوزه التدقيق في مثل هذه المعلومات. ولا يسعفك النص في كثير من الأحيان في فهم قيمة الإنجاز ونطاقه. فقد يكون على نطاق محلي محدود، وقد يكون على نطاق واسع. وقد تنتقل أخبار عن هذا الإنجاز عبر وسيلة إعلام قليلة الأهمية، محدودة النطاق، وربما يصلنا من وسيلة إعلامية متخصصة ذات مصداقية، ولها ثقلها في الوسط الإعلامي. لكن كثيرا ما لا تساعدك المادة التي بين يديك على تقدير قيمة هذا الإنجاز، خصوصا إذا كانت معرفتك ببلد الغربة محدودة، أو تكون المجاملات قد تركت آثارها في صياغة وإبراز الخبر، فيصعب حينها التمييز بين ما هو جدي ومهم من الإنجاز، وما هو بسيط ومحدود، أو معرفة مستوى الجامعة أو الكلية أو الصحيفة أو الدورية، أو المسابقة المقصودة.

ذات يوم في زمان مضى، وصلت إلينا صحيفة أميركية وفي صدر صفحتها الرياضية صورة لأحد الفتيان المبتعثين، وهو يسجل هدفا في مباراة لكرة القدم، مع تعليق يقول بأن صاحبنا قد أحرز أهدافاً، وقدّم مباراة جيدة. وفي وقت كان كل ما لدينا من الصحف يوميتان بصفحة واحدة للرياضة لكل منهما، خيل إلينا وقتها أننا نقرأ خبراً رياضياً مهماً في أميركا، وأن صاحبنا قد بات نجما هناك، في حين كانت الصحيفة هي مجرد صحيفة كلية جامعية يحررها ويقرأها الطلبة، لكن ذلك لم يمنع أهل ومحبي الشاب من إبراز إنجاز فتاهم، ونشر الخبر محليا؛ “فقد كتبت عنه جريدة أميركية”.

لكن هناك إنجازات كثيرة استحقت الإشادة والتنويه والتشجيع، ويجب أن لا ينظر إليها من خلال المثل الدارج عن الشيخ الذي فني جيله، والشاب الذي تغرّب. فاليوم، أصبح بالإمكان الإبحار في الإنترنت للحصول على أيّ معلومة، بغض النظر عن الجغرافيا، والتوثق من صدقها وأهميتها، وإعطاء كل صاحب حق حقه وحجمه.

وقد مكنت وسائل الاتصال الحديثة المغتربين من التواصل مع المجتمعات الأم، وبالتالي عرض ما حققته الجالية؛ مجموعات وأفرادا، في الغربة، في المجالات كافة، والتعريف بقيمها الحقيقية في المجتمعات المضيفة أو في الواقع الإنساني بعمومه. لكن يبقى من الضرورة بمكان نقل المعلومات وتداولها بموضوعية ومصداقية أكثر.