“البطانة المهاجرة” تحط على شاطئ البحر الميت

18/11/2015
حدثني الصديق والباحث من جامعة مؤتة د. معمر الجفوت، عن نشاطه في مجال التوعية في موضوع “بطانة الرحم المهاجرة”. وبداية، لم آخذ كلامه على محمل الجد. لكن جملة من البحوث التي أجراها بالتعاون مع زملاء له، خلال السنوات القليلة الماضية، في محاولة منهم للاستقصاء والوقوف على حجم المشكلة عند النساء الأردنيات، جعلتني أتوقف عندها.

ففي الوقت الذي تزدحم فيه أجندتنا بالتوعية حول أمراض أشد خطورة، مثل السرطان والسكري وأمراض القلب والشرايين، تغيب عن أجندتنا بعض الأمراض التي نعدها أقل أهمية. وفي ظل غياب الأرقام الدقيقة، فإن الباحثين يقدرون أن أكثر من ربع مليون سيدة أردنية (رقم تقريبي) في السن الإنجابي، يعانين -إلى درجة ما- من بطانة الرحم المهاجرة، وما يصحب هذا المرض من آلام قد توصف في بعض الأحيان بالشديدة، مع زيادة نسبة العقم لديهن.

ففي الدراسة التي أجراها د. الجفوت على عدد من طالبات الجامعات الأردنيات، تبين أن أكثر من نصفهن يعانين من آلام الطمث من الدرجة المتوسطة والشديدة، علماً أن نسبة كبيرة من هؤلاء يعانين من مرض “بطانة الرحم المهاجرة”! كما أظهرت الدراسة العلاقة الطردية بين شدة الآلام ومعدل تغيب الطالبات عن دوامهن في الجامعة. وأخرى عكسية مع التحصيل الجامعي، خاصة في ظل اشتداد الأعراض خلال تأدية الامتحانات.

وأظهرت الدراسة التأثير السلبي لهذه الأعراض على نفسية الطالبة وعلاقاتها مع الأهل والزملاء. كما لا يغيب عن البال الأثر الاقتصادي للمشكلة؛ من حيث كثرة التردد على الأطباء، وإجراء الفحوصات الطبية، وشراء الأدوية المسكنة للألم.

والمقلق في الموضوع أنه عادة ما يأتي تشخيص هذا المرض متأخراً في مجتمعنا بحوالي سبع سنوات وفقا للباحثين؛ نظرا لثقافة العيب التي تدفع الفتاة إلى التكتم وعدم البوح بآلامها، بحيث تلجأ إلى والدتها أو صديقاتها المقربات بحثاً عن العلاج. وغالباً ما يكون العلاج عبارة عن خلطة من الأعشاب المتداولة في الطب الشعبي، أو ربما بعض المسكنات التقليدية.

ونستشف مما تقدم بأننا نقف مكتوفي الأيدي أمام قضية لا تنحصر في الجانب الصحي فقط، وإنما تتعداه إلى العامل الاجتماعي والاقتصادي أيضاً، وبحيث تصبح التوعية بهذا المرض ضرورة ملحة، وتستهدف القطاع الطبي قبل الأناس العاديين.

في هذا السياق، فسيجتمع نهاية هذا الأسبوع عدد من الباحثين المختصين في هذا المجال، من مختلف الدول، على شاطئ البحر الميت لمناقشة هذا المرض. ويطمح المنظمون إلى أن يتمكن المؤتمرون من الخروج بتوصيات تسهم في تعميق فهمنا لبعض المناحي المبهمة لهذا المرض.