فتوحات طبية

02/12/2015
يكاد لا يمر يوم دون أن يسألني أحدهم عن حقيقة ومدى صحة خبر طالعه في صحيفة ما، أو صدَفهُ أثناء تصفحه موقعا إخباريا، أو ربما شاهده على أي من القنوات الفضائية، بشأن “فتح جديد” في عالم الطب سيقضي على مرض مزمن، أو دواء جديد قد يشكل ثورة في علاج أحد الأمراض المستعصية.

وغالبا ما يستقي الصحفيون المتابعون لأمور الطب أخبارهم من إحدى المجلات الطبية المتخصصة، أو الصحف العالمية المعروفة. فتجد كبريات الصحف في الغرب تعمل على انتداب أطباء للقيام بهذه المهمة. وعادة ما تقوم الصحف الأقل إمكانية، بنقل الخبر عن هذه الصحف؛ إما حرفيا أو ترجمة، هذا إذا لم تقم بإضافة بعض عناصر الإثارة إليه، ليجتذب أكبر عدد من المتابعين والمهتمين.

وبما أن ما ينشر في الصحف العلمية المتخصصة يقع معظمه في المنطقة الرمادية، ويكون حمّال أوجه مختلفة، فإنه يصعب في بعض الأحيان حتى على المختصين سبر غوره، والنفوذ إلى أعماقه لتمحيصه، ودراسة بياناته، ونتائجه، دراسة علمية، منهجية ونقدية. ففي كل دراسة هامش من الخطأ، يختلف بين واحدة وأخرى. وهناك معايير إحصائية يتقنها أولو العلم، تمكنهم من تحديد مدى جدية ومصداقية النتائج التي خلصت إليها دراسة ما. ومن دون معرفة طريقة بناء الدراسة، وحجم العينة موضع البحث، والطريقة الإحصائية التي استخدمها الباحثون للوصول إلى نتائجهم، لن يكون بالإمكان الحكم على هذه الدراسة بطريقة علمية.

ما يحدث، معظم الأحيان، أن الصحفي يقرأ ملخصا للدراسة، أو يسمع عنها خلال تغطيته لمؤتمر طبي، فيقوم بنقلها إلى القارئ المتعطش لمعرفة كل ما هو جديد من دون عناء عمل بحث حول الدراسة، أو حتى استشارة أحد الخبراء المختصين في هذا المجال، بحيث يكون الصحفي موضوعياً وعلمياً في نقله للخبر. وكلما اتسع نطاق انتشار الخبر بطريقة انشطارية، فقدَ جزءاً جديداً من مصداقيته.

ولا بد للصحفي أن يضع المريض نصب عينيه لدى كتابته أو نقله خبرا عن إنجاز طبي ما، وأن لا يضعف أمام إغراء ضمانه موقعا مميزا لخبره على حساب المهنية والمصداقية، وأمانة الكلمة.

ويزداد الأمر سوءا إذا ما كان هذا الصحفي أو مقدم البرنامج الطبي طبيبا؛ إذ ينظر معظم الناس بمصداقية أكبر لكل ما يصرح به الأطباء، فيثقون به كونه صدر عن طبيب من خلال وسائل إعلامية رسمية ومعروفة، خاصة إذا ما لامس هذا هوى في نفوسهم. وليس أبلغ للتدليل على أهمية هذا الموضوع، من قضية الطبيب ومقدم البرامج الشهير “دكتور أوز” الذي وجد نفسه مضطرا للمثول أمام الكونغرس في قضية “العشبة السحرية”.

برأيي، على كل من يختار خوض غمار التعامل مع الخبر الطبي، أن يجعل من الحقيقة ضالته؛ أنّى وجدها لزمها. وأن يكون مستقلا، وموضوعياً وصدوقاً في نقله للمعلومة، بعيدا عن تأثير شركات الأدوية والمستلزمات، وكثير منها ليس بريئا من كثير مما يروج له في العديد من وسائل الإعلام. فهي تعي تماما أهمية الأخبار القادمة من المختبرات والمراكز البحثية الموثقة بدراسات وأبحاث، بل إنها هي من يمول بعض هذه الدراسات. كما ينبغي الابتعاد عن لغة التهويل والتضليل، وتجنب إطلاق صفة “ثوري” في وصف علاج قد يكون واعدا، لكنه ما يزال بعيدا عن كونه وصفة سحرية وأكسير حياة.