حتى لا تقع الصحافة في الشَرَك

24/02/2016
لم يهدأ هاتفي خلال الأيام القليلة الماضية، للرد عن سؤال تردد على لسان الكثيرين، سواء من المرضى أو الصحفيين، حول مدى صحة الخبر الذي تناقلته بعض وسائل الإعلام بشأن دواء “سحري” تم الإعلان عنه مؤخرا، أدى إلى شفاء 90 % من مرضى السرطان ممن كانوا “على شفير الموت”، حسب تعبير ناقل الخبر.

أنا لا ألوم المرضى، فـ”صاحب الحاجة أرعن” و”الغريق يتعلق بقشة”، كما يقال. لكني أعتب على الإعلام الذي يروج لمثل هذه الأخبار من دون تثبت أو استقصاء.

نعلم أن وسائل الإعلام الكبيرة في الدول المتطورة تنتدب أطباء ومختصين للتحقق من دقة أي خبر طبي؛ فهي تعي سطوة الكلمة وتأثيرها في الرأي العام، ومع هذا فقد سقط بعضها في شرك الأخبار المغلوطة. فقراءة الدراسات العلمية عملية معقدة، تستعصي في كثير من الأحيان على المختصين، والخطأ في فهم أو ترجمة كلمة واحدة قد يؤدي إلى قلب النتائج رأسا على عقب، إذ إن البون شاسع بين استجابة مؤقتة وتحسن بعض الأعراض، وبين الشفاء التام.

هناك الكثير مما يمكن أن يقال عن علاقة شركات أدوية بالمؤسسات البحثية والباحثين، وليس أدل على هذه العلاقة المشوهة من شهادة الدكتورة “مارسيا انجل”، التي ترأست تحرير المجلة الأهم في عالم الطب (New England Journal of Medicine) مدة عشرين عاما؛ إذ تحدثت عن حجم التجاوزات وتضارب المصالح في هذه العلاقة. فبالرغم من القوانين الصارمة التي تفرضها الدول والمؤسسات المحترمة لتنظيم العلاقة بين الباحثين وشركات الأدوية والمعدات، إلا أننا ما نزال نسمع بين الفينة والأخرى عن قصص ترقى إلى مستوى الفضيحة أو الجريمة من خلال “زواج المتعة” بين المال المشبوه وبعض المخابر البحثية، ينتج عنه حمل كاذب وسراب يحسبه الظمآن ماء!

إذا كانت هذه هي حال بعض المجلات العلمية التي تحكمها تقاليد راسخة في التحري والنقد العلمي، فما بالك بالصحافة غير المتخصصة التي تستهدفها هذه الشركات من خلال أذرعها الطويلة، بحيث توجه الخبر الوجهة التي تخدم مصالحها، بهدف حشد رأي عام ضاغط على الحكومات والمؤسسات الطبية من أجل اعتماد بعض الأدوية ذات الكلف المرتفعة، أو لدفع المرضى لبيع الغالي والنفيس للحصول على “ترياق الحياة”!

عودة إلى الدواء الذي شغل الرأي العام في الأيام القليلة الماضية، فقد حاولت الوصول إلى التأصيل العلمي للخبر من خلال محركات البحث العلمية، وسؤال بعض الزملاء المختصين في هذا المجال، لكني لم أجد ما يشير إلى هذا “الفتح” العلمي العظيم؛ فالحديث عن استجابة جزئية لأعراض نوع واحد من الأورام، ولا يوجد أي ذكر للشفاء.

أدعو وزارة الصحة والجهات الرقابية الأخرى إلى متابعة مثل هذه الأخبار، ومحاسبة كل من ينقل خبرا قد يؤدي إلى الإضرار بالناس واستغلال تعطشهم لأي بارقة أمل تبدد العتمة التي أغرقهم فيها المرض.