هل البشرية في خطر؟

23/03/2016

هل يمكن وصف ما يشهده العالم حاليا؛ من طغيان للذهنية العنصرية المعادية بشدة للآخر القومي أو المذهبي أو العرقي، بأنه صعود شكل جديد من أشكال الفاشية، سواء في السياسة أو الحكم أو في المجتمعات؟

ولا نعني هنا فقط منطقتنا التي تموج بفوضى تغص بالتطرف في الاتجاهات كافة، ولكننا نطرح هذا السؤال بشأن الحالة التي يعيشها الغرب الذي أقام كيانه الفلسفي والسياسي والاجتماعي، بعد الحرب العالمية الثانية، على مناهضة كل أشكال العنصرية والفاشية باعتبارها الكفر الذي لا خلاص لمقترفه ولا توبة لمعتنقه.

العديد من أوساط الإعلام الأميركي وصفت المرشح الذي يتقدم السباق عن الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، بالفاشية والنازية. وأطلقت عليه إحدى الصحف اسم “الفوهرر الجديد”، بعد أن تحدث بعبارات غاية في العنصرية ضد المسلمين بشكل خاص. ولكن ذلك لم يمنع من استمرار اكتساحه للانتخابات المتواصلة، ما يجعل هذا الرجل الأوفر حظا لمنافسة هيلاري كلينتون أو ساندرس من الحزب الديمقراطي، للوصول إلى البيت الأبيض نهاية هذا العام.

فالولايات المتحدة التي قدمت قبل أقل من ثماني سنوات رئيسا من أصول أفريقية، قد تقدم هذا العام للعالم رئيسا جديدا يتهمه الكثير في أميركا نفسها بالفاشية والعنصرية.

في أوروبا أيضا، هناك تقدم واضح لليمين المتطرف، حتى في دول مثل سويسرا والدنمارك وفنلندا. ويتوقع أن يكون لوصول ترامب إلى البيت الأبيض، إن حدث، أثر بالغ في عودة الروح العنصرية لأوروبا؛ هذا إن كانت هذه الروح قد غادرت أصلا، فهناك قول للمفكر العربي عزمي بشارة بأن: الفكر الفاشي نشأ في جوهر النظام الليبرالي في أوروبا. وهو قول لا يمكن إنكاره. وتكفي مناصرة الغرب لدولة الاحتلال الإسرائيلي دليلا على إمكانية القبول الواسع بالواقع العنصري في أمكنة ما أخرى من العالم.

في مقابلة مع المفكر الأميركي نعوم تشومسكي، أجرتها معه صحيفة “ال مانفسيتو” الإيطالية مؤخرا، يقول: “إذا كانت تصريحات قادة الحزب الجمهوري المتنافسين على الرئاسة تتوافق مع واقع البيت الأبيض في المستقبل، فينبغي علينا أن نتوقع كارثة حقيقية”. ويضرب أمثلة لذلك بالموقف من ظاهرة الاحتباس الحراري، والاتفاق النووي مع إيران، والجنوح نحو التصرف بعدوانية وشراسة أكبر تجاه بقية العالم، على الرغم من مخاطر إطلاق العنان لحرب عالمية، مختتما المقابلة بالقول: “إذا ما قامت دولة بمثل قوة الولايات المتحدة بفرض هذه السياسات الاستراتيجية، ستتضاءل فرص بقاء الجنس البشري على قيد الحياة”.

صحيح أن هناك بوادر لموجة عاتية من العنصرية، ستجد صدى لها في السياسة، ويبدو أن منطقتنا وقوميتنا العربية وديننا الإسلامي ستكون في عين العاصفة. لكن القطاع الأكبر في العالم ما يزال يرى في التطرف بكل أشكاله، وفي الفاشية خصوصاً، خطرا جارفا يصعب التحكم به، وأن خطره قد يعم الجنس البشري بأكمله. لكن هذا لا يعمينا عن حقيقة مفادها أن التطرف والعنصرية يتصاعدان على ظهر كوكبنا بصورة غير مسبوقة، وما لا يتحقق في العام الحالي قد يتحقق في زمن مقبل.