هل تصل رسائلنا حيث نريد
11/03/2017
لا تخفى على أحدٍ من المهتمين بالشأن الصحي الفجوة الهائلة بين ما انتهى إليه العلم من معرفةٍ، وبين ما يصل من هذه المعرفة للجمهور. إذ على الرغم من ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات والثورة الرقمية العظيمة، وتنوّع مصادر المعرفة التي فتحت أبوابها ونوافذها وأغرقتنا بالمعلومات، فإننا ما نزال مقصرين في نقل المعلومة الصحيّة الدقيقة وذات الصلة، بطريقة سلسة وسهلة الفهم، بحيث تصل إلى الفئات المستهدفة وتسهم في تحسين الصحة العامة.
وغالباً ما تتسم رسائل التوعية الصحية بالجمود والتعقيد. وقد يشوبها بعض التناقضات الظاهرية، ما يضع المتلقي في حيرة من أمره، تجرّد هذه الرسائل من مصداقيتها وموضوعيتها، وتدفع بالمتلقي إلى البحث عن مصادر بديلة، قد تكون أقلّ مصداقية، لكنها أكثر جاذبية وتأثيراً.
لقد وفرت شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تربة خصبة لتداول المعلومات المثيرة للجدل. وتزامن هذا الأمر مع تراجع ثقة الجمهور بوسائل التواصل التقليدية، وبالمؤسسات الرسمية. فقد أظهر العديد من الدراسات تراجعاً كبيراً في ثقة الجمهور بالحكومات والمؤسسات المرتبطة بها. ولا تقتصر هذه الظاهرة على الدول النامية فقط، بل تتعداها إلى الدول المتقدمة؛ فتجد أن ثقة المواطنين الأميركيين تراجعت بقادة القطاع الصحي بنسبة تجاوزت
40 % خلال العقود القليلة الماضية، ما أتاح الفرصة لكل “من هبّ ودبّ”؛ من أشباه مثقفين وعشّابين وتجار، لملء هذه الفجوة.
المثال الأكثر وضوحا هو النقاش الساخن الذي تابعناه مؤخراً حول العلاقة السببية بين تطعيم الأطفال ومرض التّوحّد، والذي أدى إلى إحجام آلاف العائلات عن تطعيم أطفالها بناء على معلومات أقل ما يقال في حقها إنها مزيفة، ما يخلق حالة من انعدام ثقة الجمهور بالمصادر الرسمية للمعلومات.
وفي ظل هذه التطورات المتسارعة، يتحتم على الدول والمؤسسات الصحيّة المبادرة إلى الاستثمار في حقل التواصل في مجال الصحة، باعتباره علماً سريع التطور، يتطلب إجراء أبحاث جادة لمعرفة الطرق المناسبة لبث المعلومة الحقيقية والموثقة للجمهور المستهدف بحيث تناسب فئته العمرية، ومكانه الجغرافي، ومستواه الثقافي، وتشبع حاجته المعرفية لتكفيه مؤونة اللجوء إلى المصادر المشبوهة.
ولضمان تمرير الرسائل الصحية، لا بد لنا، أولا، أن نحدّد الهدف من هذه الرسائل، ثم صوغها بلغة قريبة من فهم المجموعات المستهدفة، واختيار الوسيلة الملائمة والتوقيت المناسب لبث هذه الرسائل.
كما ثبت لنا نجاعة الاستعانة بالأشخاص الذين يثق بهم الجمهور ويحترمهم؛ من علماء ومشاهير، في ضمان تقبّل هذه الرسائل. وما الإقبال الكبير على تحليل جينات سرطان الثدي الذي حصل بفعل الخطوة التي اتخذتها “أنجيلينا جولي”، إلا مثال واحد على قوة تأثير المشاهير في إيصال الرسائل الصحية.
لقد حان الوقت لإيلاء موضوع التواصل في مجال الرعاية الصحية الأهمية التي يستحقها، باعتباره عِلماً متخصصا يستند الى الأدلة والمهارات، وليس وظيفة من لا وظيفة له.