“الزايد أخو الناقص”
.
كثر الحديث في الأونة الأخيرة عن نسبة الفاقد في العملية العلاجية، وعن إساءة استخدام الأدوية، والاجراءات الطبية والفحوصات المختلفة من قبل الأطباء، وقلما استند هذا الحديث الى معلومات موثقة، لكن دراسة أميركية نشرت حديثا حاولت تسليط الضوء على هذه المشكلة من وجهة نظر الأطباء، المتهم الرئيسي بالمسؤولية عن هذا الهدر.
فقد قام الباحثون باستقراء آراء عينة مكونة من أكثر من ألفي طبيب أميركي، أجمع معظمهم على وجود المشكلة، وبرروا أسبابها بعدة عوامل أهمها الخشية من الملاحقة القضائية فيما يعرف بـ “الطب الدفاعي”, وإلحاح المرضى، وصعوبة الوصول الى ملف المريض الطبي.
كما اعترف معظم الأطباء أن وجود فائدة مالية للطبيب تساهم في إجراء تدخلات قد لا تكون ضرورية.
وأكدت هذه الدراسة ما خلصت اليه دراسة سابقة في أن حوالي ثلث المضادات الحيوية الموصوفة للمرضى لا ضرورة لها، كما أن ربع الإجراءات التشخيصية المكلفة لا داعي لها وينطبق الأمر على إجراءات تداخلية أخرى مثل دعامات القلب وغيرها.
نسبة الفاقد في القطاع الصحي مشكلة متفاقمة، وفي تزايد مستمر رغم بعض الإجراءات التي تتخذها الدول للحد منها، حيث تقدر الدراسات أن حجم هذا الفاقد يبلغ 750 مليار دولار سنويا في الولايات المتحدة وحدها، وتعتبر الإجراءات الطبية غير المبررة وإساءة استخدام الموارد مسؤولة عن ثلثها.
ولا ينحصر الأثر السلبي لهذه الظاهرة بالعامل المادي وإنما يتعداه الى الضرر المباشر على صحة المريض، وما مقاومة بعض انواع البكتيريا لمعظم المضادات الحيوية والتي تؤرق العالم الا دليل على الأثر المدمر لفوضى الاستخدام غير العقلاني للمضادات الحيوية.
كما أن النتائج العرضية التي تكشفها بعض الفحوصات التشخيصية غير المبررة يترتب عليها إجراءات أخرى قد لا يكون المريض بحاجة اليها.
في الوقت الذي يعاني فيه معظم الناس من نقص حاد في الرعاية الصحية ونقص في الأدوية والأجهزة الطبية، تهدر المليارات على إجراءات لا طائل منها.
علاج هذه المشكلة يجب أن يبدأ من كليات الطب بغرس مبادئ الاستخدام العقلاني للمواد المتوفرة، ثم من خلال اعتماد بروتوكولات علاجية تستند الى الأدلة العلمية يتم تطبيقها من قبل الجميع، ثم بسهولة الوصول الى ملفات المرضى من خلال الملفات الإلكترونية والتي يمكن الوصول اليها من قبل جميع مقدمي الخدمة الصحية.