فتية في الماء

يوليو 13, 2018

إن كان “أبو الخيزران” الشخصية الرئيسية في رائعة غسان كنفاني “رجال في الشمس” قد صاح متسائلاً وهو يلقي بجثث ركابه في أحد مكبات النفايات بعد أن قضوا خنقاً في صهريج للتهريب تحت لهيب شمس الخليج “لماذا لم يطرقوا الجدران” فإن صوت طرق الفتية التايلنديين العالقين في كهف تحت الماء في اقصى شمال تايلاند قد جاب الآفاق وتصدر الأخبار.

لقد اصبح هؤلاء الفتية الاثني عشر ومدربهم العالقين في كهف تحت الماء لمدة أسبوعين حديث العالم، وتصدروا قائمة المواضيع الأكثر بحثاً على محركات البحث، حيث تجاوزت حالات البحث عنهم الـ350 مليونا، وفجأة أصبحت صفحة البحرية التايلندية على الفيسبوك محج الباحثين عن آخر أخبارهم وتسابقت الدول بإرسال المتطوعين والغطاسين حيث شارك في عملية الإنقاذ ما يقارب العشرة آلاف متطوع وغطاها اكثر من ألف صحفي, وقد أثبتت وسائل التواصل العصرية مرة أخرى سطوتها وقدرتها على صناعة الحدث وإحداث التغيير فأنا أجزم انه لو حصلت هذه الحادثة قبل عقدين من الزمن لما سمع بها أحد خارج محيط قريتهم.

ولم يفوت الرئيس ترامب وتيريزا ماي وغيرهما من قادة العالم الفرصة للتغريد تعبيرا عن ابتهاجهم بالنهاية السعيدة لمحنة هؤلاء الفتية وعن الصخرة التي انزاحت عن ضمائرهم الحية واحساسهم المرهف فور سماعهم نبأ نجاتهم.

لا شك أن مثل هذه الحالات الإنسانية تشد أنظار العالم، ومن حق الفتية وأهليهم أن يستخدموا كافة الوسائل المتاحة لشد أنظار العالم إلى قضيتهم وقد نجحوا في ذلك، ولكن السؤال الذي يلح علينا هنا ما الذي يجعل هذا الضمير العالمي المتبلد حيال قضايا إنسانية أخرى أشد ألماً وأكثر الحاحا يستيقظ فجأة على وقع طرقات جدران كهف في أقاصي تايلند.

ألم تكن طرقات الملايين من أطفالنا الذين قضوا تحت قصف البراميل المتفجرة او باستنشاق الابخرة الكيماوية أو حتى غرقاً في سراب محيطات العبور إلى الجنة المزعومة كافية لايقاظ الضمير الإنساني من سباته، لماذا هذا العور في التعامل مع قضايا إنسانية يفترض أن يتعامل معها على نفس السوية أم أن المشكلة في اليد الطارقة وفي الآذان التي تتعامل مع الطرق بانتقائية يشتم منها رائحة نتنة.

حال الضمير الانساني في التعامل مع هكذا حالات كالذي يكتفي باطفاء حريق صغير في غابة مشتعلة ثم يخلد الى الراحة بعد ان ازاح عن صدره ثقل الشعور بالواجب تجاه الحريق الاكبر.